الأحد، نوفمبر 30، 2008

قصة لماركيز لم تترجم من قبل

شيئ خطير جدا سيحدث في هذه القرية ملحوظة : حكي ما ركيز هذه القصة في احدي مؤتمرات الكُتاب أثناء الحديث عن الفرق بين القصة المحكية والقصة المكتوبة ، قائلا " لنري كيف تتغير القصة عند كتابتها " . تخيل أنك في قرية صغيرة ، تقطن بها سيدة عجوز ، لها من الأبناء اثنان ، أحدهما ولد في السابعة عشرة ، والأخري فتاة في الرابعة عشرة . عندما تقدم لهما الفطور ذات يوم ، يكون وجهها مكتسيا بعلامات القلق . يسألانها عما حدث . فتخبرهم أنها استيقظت وهي تشعر أن شيئا خطيرا جدا سيحدث في هذه القرية . يسخر الابنان من أمهما . يقولان إنه شعور سيدة عجوز ، أشياء وتمر . ويذهب الابن ليلعب البلياردو ، وفي اللحظة التي يوشك فيها علي ضرب الكرة يقول له اللاعب الآخر : ـ أراهنك ببيزو أنك لن تصيب . يضحك الجميع . ويضحك الابن . ويضرب الكرة فلا يصيب . يدفع البيزو ، ويسأله الجميع عما به ، فقد كانت لعبة في غاية السهولة . فيجيبهم : ـ أنتم محقون ، لكنني مشغول جدا بأمر أخبرتني به أمي هذا الصباح ، قالت إن شيئا خطيرا جدا سيحدث في هذه القرية . سخر منه الجميع . وعاد اللاعب الذي فاز عليه وربح البيزو إلي بيته ، حيث سيجد أمه أو حفيدته أو أية قريبة أخري . وسعيدا بالبيزو الذي ربحه يقول : ـ لقد ربحت هذا البيزو من داماسو بطريقة غاية في البساطة ، لأنه احمق . ـ لماذا تقول إنه أحمق ؟ . ـ لأنه لم يستطع أن يصيب بكرة سهلة قائلا إن هناك فكرة متسلطة تلاحقه ، حيث أن امه قالت له إنها استيقظت وهي تشعر أن شيئا خطيرا جدا سيحدث في هذه القرية . تجيبه أمه حينئذ : ـ لا تسخر من نبوءات العجائز فأحيانا تصيب . تسمعه القريبة ثم تذهب لشراء اللحم . تقول للجزار : ـ اعطني رطلا من اللحم . وفي اللحظة التي يقطع لها ما طلبته تضيف : ـ اجعلهم رطلين ، لأنهم يقولون إن شيئا خطيرا سيحدث ومن الأفضل أن نستعد له . يعطيها طلبها . وعندما تأتي سيدة أخري تشتري رطل لحم آخر ، يقول لها : ـ خذي رطلين ، لأن الناس يقولون إن شيئا خطيرا سيحدث ، ولذا يستعدون ويشترون ما يكفيهم من المؤن . حينئذ تجيبه العجوز : ـ لدي العديد من الأولاد ، ومن الأفضل أخذ أربعة أرطال . تأخذ طلبها وتسير . وحتي لا أطيل القصة ، سأقول إن الجزار قد باع كل اللحم في نصف ساعة ، وذبح بقرة اخري ، وباعها كلها ، وذاعت الاشاعة . وتأتي لحظة يكون فيها أهل القرية في انتظار حدوث شيئ . فتتوقف كل الأنشطة . وفجأة ، في الساعة الثانية ظهرا ، عندما يشتد الحر ، يقول أحدهم : ـ هل انتبهتم لهذا الطقس ؟ ـ نعم ، لكن طقس هذه القرية دوما حار. ـ ومع ذلك ـ يقول أحدهم ـ لم يكن حارا أبدا بهذه الدرجة في هذه الساعة . ـ لكن الثانية ظهرا هي أشد ساعات الحر . ـ نعم ، لكن لم يكن حارا مثل الآن . تصير القرية خالية ، والميدان خالي ، فيهبط عصفور ، وينطلق فجأة صوت : ـ هناك عصفور في الميدان . ويتجمع الناس ، يرتجفون خوفا ، ليروا العصفور . ـ لكن يا سادة ، عادة ما تهبط العصافير للميدان . ـ نعم ، لكن العصافير لم تهبط قط في هذه الساعة . ويصاب أهل القرية في لحظة بالضغط ، ويصيبهم اليأس ، ويتمزقون بين هجر القرية وعدم توافر الشجاعة لفعل ذلك . يقول احدهم : ـ أنا رجل وسأرحل . يضع أولادة وأثاثه وحيواناته في عربة ، ويعبر بالشارع الرئيسي للقرية المسكينة التي تتفرج عليه ، حتي يقولون : ـ إن كان هذا تجرأ وفعلها فنحن أولي بها . ويبدأ الرحيل حرفيا من القرية . يحمل أهلها أشياءهم وحيواناتهم وكل شيء . ويقول أحد الأواخر الذين يهربون من القرية : ـ حتي لا تقع النكبة علي ما تبقي من بيتنا ـ ويحرق بيته ويفعل الآخرون مثله . ويهربون في ذعر هائل وحقيقي ، كما لو كان هروبا في حرب . وفي الوسط تسير السيدة العجوز صاحبة النبوءة ، صارخة : ـ ألم أقل إن شيئا خطيرا جدا سيحدث في هذه القرية ، وقالوا إنني مجنونة .

أوباما

لا شيء

الاثنين، نوفمبر 17، 2008

عندما يكتب أوباما

أحلام أبي : قصة عِرْق وإرث . باراك أوباما قررتُ في سنة 1983 أن اكون منسقاً جماهيرياً ، لكنني كنت أفتقر في هذه الفترة لمعلومات تخص هذا النشاط ، ولم أكن اعرف أحداً يعيش منه ، وعندما كان زملاء الدراسة يسألونني عمّ المقصود بالمنسق الجماهيري ، لم يكن باستطاعتي أن أجيبهم . لكنني كنت لا أتوقف ، في تلك الاماكن ، عن الحديث عن الحاجة للتغيير . تغيير في البيت الأبيض ، حيث كان ريجان وحاشيته لا زالوا يلعبون لعباتهم القذرة . تغيير في الكونجرس الفاسد والمقهور . تغيير في وجه الدولة ، الغارقة في الهوس والغرور. تغيير قد لا يأتي من قمة الهرم ، كما اعتقدت ، وإنما يأتي من تعبئة أهل السفح . هذا ما كان ينبغي أن أفعل ، أن أنسق بين الزنوج في القاعدة من اجل التغيير . كان أصدقائي ، الزنوج منهم والبيض ، يمدحون بشدة أفكاري المثالية ، قبل أن أتوجه لمكتب البريد وارسل طلباتهم لاستكمال دراستهم الجامعية . ولم يكن بوسعي أن ألومهم علي نظرات الريب . أما الآن ، بعد كل هذه السنين ، فأستطيع أن أشيد منطقا لقراري وأعلن أن نيتي في أن أكون منسقا جماهيريا كانت جزءا من تاريخ طويل بدأ مع أبي وجدي من قبله ، مع أمي وأبيها ، مع ذكرياتي في اندونيسيا مع الشحاذين والمزارعين ، مع اخضاع لولو للسلطة ، ومواصلة راي وفرانك وماركوس وريجينا ، مع اقامتي في نيويورك ، مع موت أبي . وأعلم أن الإختيارات التي اتخذتها لم تكن كلها نابعة من محض إرادتي ، كما كان ينبغي أن تكون ، وأعلم ان هذا يعني السير الحزين في طريق الحرية . لكن هذا الإعتراف جاء متأخرا . ففي تلك الفترة ، عندما كنت علي وشك إنهاء دراستي الجامعية ، كنت أتحرك بدفعات ، كما السمكة تسبح بلا بصيرة ضد تيار شديد لتصل في النهاية لمبتغاها . وفي قاعات الدراسة والبحث كنت اخفي هذه الدفعات تحت شعارات ونظريات كنت قد اكتشفتها في الكتب ، معتقدا ، بشكل خاطيء ، أن الشعارات تعني شيئا وأنها بشكل ما تصيغ هذا الذي أعتقد فيه . لكن ليلا ، عندما كنت ارقد علي سريري ، كنت اترك الشعارات جانبا ، لتسبح مع الريح ، بينما تترك مكانها لخيالات رومانسية قادمة من ماض لم أعرفه أبدا . كانت الصور التي تراودني حينها تتمثل في حركة من أجل الحقوق المدنية ، تنتمي في أغلبها لمسلسل قديم بالأبيض والأسود ، وكان يظهر في كل عام في شهر فبراير خلال " شهر تاريخ الزنوج " ، وهي نفس الصور التي كانت أمي ترينيها عندما كنت طفلا . صورة لطالبين في الكلية ، لهما شعر قصير وصدر مستقيم ، يطلبان غدائهما في مطعم وجبات سريعة في طرف الضاحية النائية . صورة لأعضاء SNCC امام سقيفة في مكان راكد لنهر المسيسيبي يحاولون اقناع عائلة من المزارعين ليسجلوا أسمائهم ليدلوا بأصواتهم الانتخابية . وصورة ثالثة لسجن بولاية ممتليء علي آخره بأطفال بأياد مغلولة ، يغنون من أجل الحرية . تحولت هذه الصور لتمائم بالنسبة لي ، تدعم روحي ، وتخلق قناة تسير فيها مشاعري بشكل لم تستطع الكلمات أبدا أن تفعله . كانت الصور تقول لي ( برغم ان هذه الفكرة ربما جاءتني فيما بعد ، أو هي تفسير ينقصه الدقة ) " إن هذا ليس فقط صراعا شخصيا ، وإن الطوائف لا يصح ان تكون قربانا يقدم لهذا البلد ، علي الأقل بالنسبة لطائفة الزنوج " . كان علي الطوائف أن تشكل ملامحها ، أن تكافح بروحها ، أن تعتني بنفسها كما تعتني بحدائقها . كانت تكيف نفسها علي حجم أحلام الرجال ، وفي الحركة المؤيدة للحقوق المدنية كانت هذه الأحلام شديدة الطموح . ومع الوقت ، رايت الطائفة الأفروأمريكية ، في جلساتنا ومظاهراتنا وأغانينا المنطلقة من السجون ، يشتد عودها وتكتسب معني أكبر من المكان الذي ولدت فيه والبيت الذي نشأت بين أركانه . وبفضل التخطيط والتضحية استطاع الواحد منا أن يكتسب حق أن يكون أحد أعضائها . ولأنني استطعت أن أنتسب لها ( حيث كانت الطائفة المنظمة التي اود الانتماء لها تحت الإنشاء ، وكانت تقوم علي أمل أن تجمع أكبر عدد من الأمريكيين ، من البيض والزنوج وقمحي اللون ، ليكون باستطاعة كل منهم الدفاع عن نفسه ) اعتقدت ان هذه الطائفة تستطيع مع مرور الوقت قبول حياتي الخاصة المنفردة . كانت هذه هي فكرتي عن المنسق الجماهيري : وعد بالخلاص . وهكذا ، خلال الشهور التالية وحتي حصلت علي اجازتي العليا ، كتبت خطابات لكل منطمات الحقوق المدنية التي كنت أعرفها ، ولكل زنجي له أفكار تقدمية ، ولكل منتخب في هذا البلد ليلعب دورا جماهيريا ، ولكل جمعيات حقوق الجار وحقوق المستأجر . ورغم أن أحدا لم يجيبني ، لم أفقد حماسي . قررت حينئذ أنه في خلال عام سأبحث عن عمل مناسب لأدفع مصروفاتي الدراسية ، وقد أدخر القليل . سأحتاج للمال فيما بعد ، هكذا كنت أقول لنفسي . المنسقون لم يكونوا يعيشون من عملهم ، وكان فقرهم دليلا علي كمالهم . وبعد صبر قد طال ، تعاقدت مع مؤسسة تعمل في التعاون الدولي لأعمل لديها كمساعد أبحاث ، أو كجاسوس كما تري سطور الأعداء . وفي كل صباح كنت أصل إلي مكتبي بمركز Maniatan ، أجلس أمام جهاز الكمبيوتر الخاص بي ، مُركّزاً في المعلومات التي ترسلها وكالة رويترز ، وكانت رسائل لامعة ذات لون أخضر زمردي ، تحتوي علي أخبار العالم أجمع . في هذا المكان ، كنت أنا الرجل الزنجي الوحيد ، حسب ما رأيت ، وهو أمر غير مريح ، لكنه كان فخر لي أمام السكرتيرات ، و هن سيدات زنجيات كن يعاملنني كابن لهن ، ويخبرنني أنه لم يعبر بخيالهن ذات يوم أن يدير هذا المكان رجل زنجي . أحيانا ، أثناء تناول الغداء ، كنت أحكي لهن عن أفكاري حول المنسق الجماهيري ، وبينما يبتسمن كنّ يقولن لي " هذا عمل حسن يا باراك " ، لكن نظراتهن كانت توشي باحباطاتهن بشكل فاضح . ومن بين العاملين كان إيكي ، رجل أمن الممر ، زنجي ثرثار ، يقول لي وحده ، وبكل وضوح ، إنني مخطيء ، ويسألني : هل العمل كمنسق جماهيري عمل سياسي ؟ لماذا تريد أن تورط نفسك في أمر كهذا ؟ . حاولت أن أشرح له وجهات نظري السياسية ، التي تكمن في تعبئة الفقراء وإعادة توزيع الثروات بين الطوائف ، لكن إيكي كان يقوم بإيماءة ريبة ، ويقول : ـ يا سيد أوباما ، أتمني ألا يضايقك لو أسديت لك نصيحة ، ولست مضطرا أن تأخذ بها ، لكنني سأسديها لك علي أي حال :" انس أمر المنظمة هذه وافعل شيئا يدر عليك دخلا ، والأمر لا علاقة له بالطمع ، أتفهمني ؟ ، وإنما اكسب ما يكفيك . أقول لك ذلك لأنني أري فيك كل المؤهلات المناسبة ، فشاب مثلك له صوت جميل ، أتفهمني ؟ ، يدتستطيع أن تكون من هؤلاء الذين يقرأون الأخبار في التليفزيون ، أو اعمل بالبيع ... لدي ابن أخت من نفس عمرك تقريبا ، ويكسب من المال الكثير ، هذا هو ما تحتاج إليه . أتري ؟ هؤلاء الذين يركضون من هنا لهناك ، يتقافزون ويتراقصون ، لا يمكن أن تساعد هؤلاء الذين لم يحققوا أبدا شيئا لأنفسهم ، وبالاضافة لذلك لن يشكروا لك المعروف . إن الذين يريدون أن يتقدموا للأمام سيجدون الطريق بأنفسهم ليفعلوا ذلك . وبالمناسبة ، كم عمرك ؟ ـ اثنان عشرون . ـ انظر ، لا تضع شبابك هدرا ، يا سيد أوباما ، فذات يوم ستستيقظ وستجد نفسك عجوزا ، مثلي ، دون أن تحقق شيئا من أحلامك . لم أعر اهتماما لما قاله إيكي حينذاك ، وفكرت أنه يشبه أجدادي كثيرا . ومع ذلك ، مرت الشهور وأنا ساكن في مكاني ، وكنت اشعر أن فكرة ان أصير منسقا جماهيريا تتبخر . وحينئذ عرضت علي المؤسسة أن أشغل منصب كاتب مقالات إقتصادية ، فصار لي مكتبي الخاص وطاقم سكرتاريتي الخاص ، وحساب في البنك . أحيانا ، عندما كنت أخرج لألتقي برجال مال يابانيين أو وسطاء ألمان ، تعودت النظر لصورتي في مرآة باب الأسانسير ، فكنت أري نفسي ببدلة وكرافتة وبحقيبة يد ، وفي لحظة كنت اتخيل نفسي احد رجال الصناعة ، أصدر أوامر ، أنهي صفقات ، وسريعا ما أتذكر ماذا قلت لنفسي عما احب أن أكون ، فأشعر انني مذنب لعدم اقدامي علي اتخاذ القرار . ذات يوم ، عندما كنت جالساً امام جهاز الكمبيوتر الخاص بي أكتب مقالة عن مستقبل أنواع الفائدة ، حدث لي أمر مفاجيء : هاتفتني أوما . لم أتعرف أبدا في حياتي علي هذه الأخت غير الشقيقة ، فقط كنا نتكاتب بشكل متقطع . كنت أعرف أنها قد تركت كينيا لتدرس في ألمانيا ، وفي خطاباتنا كنا نتبادل امكانية أن اذهب لزيارتها أو ربما تستطيع هي أن تأتي للولايات المتحدة ، وأخبرتني أنها ستأتي في رحلة مع بعض الأصدقاء . وسألتني إن كانت تستطيع أن تأتي لتراني في نيويورك . ـ بالطبع ـ أجبتها ـ ويمكنك أن تبقي معي ، فأنا مشتاق لرؤياك . ضحكتْ ، وضحكتُ أنا أيضا ، ثم ساد الصمت بيننا ، فلم نكن نسمع سوي صوت الارسال ورتابة أنفاسنا . ـ حسنا ـ قالت هي ـ لا أستطيع أن أبقي طويلا علي الهاتف ، فالاتصال غال جدا ، وهذه هي بيانات رحلتي الجوية . بعدها أنهينا المكالمة ، وشعرت أن الاتصال بيننا علاجا يجب أن نأخذه بجرعة صغيرة . وقضيت الأسابيع القليلة التالية أعد الأشياء بأقصي سرعة ، ملاءات جديدة للكنبة ـ السرير ، أطباق اضافية وفوط ، ليفة للحمام . وقبل مجيئها بيومين هاتفتني أوما من جديد ، وكان صوتها منكسرا ، وقالت بشبه همهمة : ـ لن أستطيع زيارتك ، لقد مات أخ لنا ، اسمه ديفيد ، في حادثة موتوسيكل ، وهذا كل ما أعرفه . وشرعت في البكاء قائلة : ـ أوه يا باراك ، لماذا يحدث لنا كل هذا ؟ حاولت أن اسليها قدر استطاعتي ، وسألتها كيف لي أن أساعدها ، وسألتها إن كانت هناك فرصة أخري للقاء ، وفي النهاية هدأ صوتها وقالت إنها يجب أن تحجز تذكرة للعودة للبيت . ـ حسنا يا باراك ، سنلتقي . مع السلامة . عندما أنهت المكالمة خرجتُ من مكتبي وقلت لسكرتيرتي إنني سأقضي اليوم خارج المكتب . وتجولت في شوارع مانهاتن عدة ساعات ، وصوت اوما يطن في أذني . في قارة أخري امرأة تبكي . في طريق مغبر وحزين وقعت حادثة فاصطدم طفل بالأرض الصلبة ، ومازالت العجلات تواصل دورانها حتي تكل وتتوقف . من كانوا هؤلاء الناس ؟ من هؤلاء الغرباء عني الذين تسير دماؤهم في دمي ؟ كنت أسأل نفسي ؟. كيف أستطيع أن ألملم جراح هذه المرأة المفتوح ؟ ، أي أحلام مجنونة وهمجية راودت هذا الصبي ؟ ، من أنا ؟ وكيف لا أزرف دمعة واحدة علي فقدان أخ لي ؟ أحيانا أسأل نفسي ، كيف غيرت حياتي هذه االمرأة التي تسمي أوما بمكالمة تليفونية ؟ . ليس الاتصال في حد ذاته ( رغم أنه الخطوة الأولي ) ولا خبر موت ديفيد ( فلم أكن أعرف هذا الصبي وهذا أمر جلي ) وإنما اقصد المكالمة التي فيها حدث كل شيئ ، أحداث متتابعة ، آمال مشيدة ، احباطات تالية ، إن هذه المكالمة جاءت في الوقت الذي فيه كان يجب أن أقرر وضع فكرة المنسق الجماهيري علي أرض الواقع ، لتصير هي مركز حياتي ، بعد أن كانت مجرد فكرة في عقلي ، وصراع مشوش في قلبي . ربما لم أكن ذا أهمية في هذا الوقت . لكنني كنت ملزما أن أكون منسقا جماهيريا ، فجاء صوت أوما ببساطة ليذكرني أن بداخلي جراحا في حاجة للتداوي ، وأنني لا أستطيع أن أتداوي بمفردي . لو لم يمت ديفيد في هذا الوقت ، لو جاءت أوما لنيويورك كما اتفقنا في البداية ، وعرفت منها حينئذ ما عرفته بعد ذلك عن كينيا ، عن أبينا ... حسنا ، ربما خف الضغط المتراكم في داخلي ، واكتسبت فكرة مختلفة عن الطائفة ، ولسارت طموحاتي في شارع ضيق ، ولقبلت بالطبع نصيحة صديقي ايكي ولتفرغت كلية لجمع المال ، فللمكاسب جاذبية تتولد من المسئولية . لا أعرف . فكل ما أعرفه أنه بعد عدة شهور قليلة من مكالمة أوما ، قدمتُ استقالتي من المؤسسة وبدأتُ أبحث بجد عن عمل كمنسق جماهيري . ومن جديد ذهبت خطاباتي إلي الفراغ ، فلم أتلق ردودا . وبعد شهر تقريبا ، جاءتني مكالمة هاتفية لمقابلة مدير احدي المنظمات الكبري المتخصصة في الحقوق المدنية للمدينة . كان المدير زنجيا طويلا وجذابا ، يرتدي قميصا ابيض منقط ، وكرافتة من الكشمير ، وحمالة حمراء . وكان مكتبه مزينا بالكراسي الإيطالية والتماثيل الافريقية ، كما كان به بار في الجدار المشيد بالطوب المرئي . ومن خلال نافذة كبيرة كان ضوء الشمس يتساقط علي تمثال نصفي لمارتن لوثر كينج . نظر في سيرتي الذاتية وقال بعدها : ـ رائع ، خاصة لأن خبرتك في مجال التعاون ، وهذا هو المفتاح الحقيقي للعمل في منظمة للحقوق المدنية اليوم ، فالاعتراضات والهمهمات لا تجدي في شيئ . والوصول إلي أهدافنا يوجب أن نشيد جسورا بين المؤسسات والحكومة والأحياء المهمشة في المدينة . أطبق الرجل يديه الكبيرتين وأراني تقريرا شهريا مطبوعا علي ورق مصقول ، مفتوحا علي الصفحة التي تحتوي علي أسماء أعضاء مجلس الإدارة ، عضو زنجي وعشرة اعضاء بيض . ـ أتري ؟ ـ قال المدير ـ جمعيات حكومية وأهلية . مفتاح المستقبل هنا ، حيث يدخل شباب مثلك في اللعبة ، شباب متعلمون وواثقون من أنفسهم . يشعرون بالراحة في صالة اجتماعات ، دون ان يفعلوا شيئا أكثر من ذلك ، في الاسبوع الماضي تحديدا كنت اناقش هذه المشكلة مع سكرتير HUD ، أثناء تناول العشاء في البيت لأبيض ، كم هو رجل رائع جاك ، لابد أنه سيتحمس لمعرفة شاب مثلك ، لا يجب أن أقول إنني عضو في الحزب الديمقراطي ، لكن يجب أن نتعلم أن نعمل مع ذوي السلطة ، أيا كانوا . وهناك قدم لي عملا مرتبطا بمنظمة تقيم الندوات حول المخدرات والتخلف والاسكان . " تسهيل الحوار " ، هكذا كان يسميها . فرفضت عرضه الكريم لأنني كنت قد قررت سلفا أنني سأعمل في عمل يسمح لي بالاحتكاك بالشارع . وقضيت ثلاثة أشهر أعمل في مكتب رالف نادر في هارلم ، محاولا أن أقنع طلاب الأقليات العرقية بالكوليدج سيتي بأهمية التغيير ، بعدها قضيت اسبوعا أوزع أوراق الانتخابات لمرشح في بروكلين ( خسر المرشح ولم يدفع لي أجري حتي الآن ). بعد ستة اشهر أصبحت مفلسا وعاطلا ، لا آكل سوي الشوربة المعلبة ، وفي بحثي عن حل ذهبت لجامعة كولومبيا لاستمع لمحاضرة كويم توري ، واسمه الحقيقي ستوكيلي كارميشيل ، وهو ناشط معروف ب BLACK POWER و SNCC ، وعند دخولي القاعة وجدت سيدتين احداهما زنجية والاخري أسيوية كانتا تبيعان كتبا عن الأدب الماركسي وتتناقشان فيما بينهما حول المكانة التي كان يشغلها تروتسكي في التاريخ ، وبالداخل كان توري يقدم برنامجا لاقامة علاقات اقتصادية بين أفريقيا وهارلم كحائط صد ضد الرأسمالية الامبريالية للبيض . وبمجرد أن أنهي محاضرته سألته شابة نحيفة ، ترتدي نظارة ، إن كان هذا البرنامج عمليا مع الوضع في الاعتبار وضع الاقتصاديات الافريقية والاحتياجات الضرورية التي يواجهها زنوج أمريكا . فقاطعها توري قبل أن تتم عبارتها : ـ ما لا يجعله عمليا هو غسيل المخ الذي أجروه لك يا أختي . كانت عينا توري تلمعان بينما كان يتكلم . كانت عينا رجل مجنون أو رجل مستنير . ظلت الفتاة واقفة علي قدميها عدة دقائق ، بينما كان يلومها علي موقفها البورجوازي . بعدها بدأ الجمهور في الانصراف . وخارج القاعة كانت السيدتان الماركسيتان تصرخان فيها بكل ما في رئتيهما من قوة : ـ خنزيرة ، تابعة لستانلي . ـ عاهرة اصلاحية . كان يبدو كابوسا . سرت إلي برودواي بلا قبلة ، بينما كنت أتخيل نفسي بجانب LINCOLIN MEMORIAL ، متأملا صالة خالية ، بها بقايا قمامة يحركها الهواء . كانت الحركة قد ماتت منذ سنوات ، وتمزقت لألف قطعة . وكانت كل الطرق المؤدية للتغيير أكثر من مغلقة ، وكل الاستراتيجيات كانت منهكة . وجاءت الهزائم تلاحق حتي الحركات التي كانت تحمل أفضل النوايا ، فتبتعد خلف صراعات مستمرة . إنه ببساطة جنون تام . وانتبهت في الحال أنني كنت أكلم نفسي في وسط الشارع . بينما كان العابرون يتجنبون السير بجواري ، وبين الحشود ظننت أنني تعرفت علي اثنين من زملائي من كولومبيا ، بمعطفيهما الملقيان وراء كتفيهما ، فشاهدتهما يحاولان الهروب من أمام ناظري .

ترجمة أحمد عبد اللطيف .

منشور باخبار الأدب

الجمعة، يوليو 25، 2008

عقارب الساعة

عقارب الساعة قصة للكاتب الارجنتيني الشهير : خوليو كورتاثر . ترجمة : أحمد عبد اللطيف .
فكر في هذا الأمر جيداً : عندما يهادونك بساعة فإنما يهادونك في الحقيقة بنار صغيرة مذيلة بقيد من الورود ، بسجن مظلم خال من الهواء ، لأنهم لا يهادونك بالساعة وحدها ، هذه القطعة الصغيرة التي تجعلك سعيدا وقتها ويتمنون لك أن تدوم لأنها من نوع جيد فهي سويسرية الصنع ، إنهم لا يهادونك بهذه القطعة التي تضعها في رسغك وتتنزه معك أينما ذهبت ، إنهم يهادونك وهم لا يعلمون ، والمصيبة أنهم لا يعلمون ، بالقطعة الهشة والمتغيرة لذاتك ، بشيئ ينتسب لك لكنه لا يسكن جسدك ، بشيئ يجب أن تربطه فوق جسدك بأستيك كذراع يائس معلق فوق رسغك .
إنهم يهادونك بالاحتياج لأن تلف عقاربها كل يوم ، ويجبرونك علي ذلك لكي تدوم الساعة ، يهادونك بالانشغال الدائم لتنتبه لمواعيد فتح واغلاق محلات الذهب ، ومواعيد برامج الراديو ، ومواعيد شركة التليفونات . يهادونك بالخوف من أن تفقد كل هذا أو واحدا منه ، يهادونك بالخوف من أن تُسرَق الساعة أو تقع علي الأرض أو تتكسر . يهادونك بنوع جيد من الساعات ويؤكدون لك أنها أحسن الأنواع ، لذا فهم يهادونك بالمقارنة بين ساعتك وساعات الاخرين .
انهم لا يهادونك بساعة ، وإنما أنت الهدية ، نعم ، أنت الهدية التي قدموها للساعة في عيد ميلادها .

الجمعة، يوليو 18، 2008

هدايا ماركيز

13 سطر لماركيز ( نوبل 1982) 1) أنا احبك ، لا لما تكونه ، وإنما لما اكونه أنا وأنا معك . 2) لا أحد يستحق دموعك ، ومن يستحقها لا يجعلك تزرفها . 3) ليس معني انك لا تجد من يجبك كما تريد ألا تحب بكل ما فيك . 4) صديقك الحقيقي هو من يأخذك من يدك ويلمس قلبك . 5) أسوأ إشتياق هو أن تشتاق لهذا الجالس بجانبك وأنت تعرف أنك أبداً لن تملكه . 6) لا تترك الابتسامة ابدا تهجر شفتيك ، حتي وأنت حزين ، فأنت لا تعرف من يعشق ابتسامتك . 7) قد تكون مجرد انسان في الدنيا ، لكنك بالنسبة لشخص ما كل الدنيا . 8) لا تقض وقتك مع شخص غير مستعد لقضاء وقته معك . 9) ربما يريد الله أن تخطيء بمعرفة من لا يستحقون مودتك ، حتي عندما تعرف الشخص المناسب تقدر قيمة نعمته عليك . 10) لا تبك علي النهاية ، بل ابتسم لأنها جاءت . 11) دوما ستجد أناسا يبعثون فيك الحزن ، وليس عليك سوي ألا تفقد ثقتك في الناس ، لكن كن حذرا مرتين فيمن تثق بهم . 12) صر أفضل إنسان ، وواعرف نفسك قبل ان تعرف شخصا آخر ، وانتظر أن يعرف هذا الشخص من تكون . 13) لا تبذل قصاري جهدك من أجل شيئ ، فافضل الأشياء تأتي دون أن ننتظرها . وتذكر أن كل ما يحدث يحدث لسبب ما .

الأربعاء، يوليو 02، 2008

مقالة عن الذكريات الصغيرة

جريدة : القبس الكويتية يرتعد من الكلاب ويعشق الخيل ويعترف أنه من أصول عربية «صانع الأقفال» ساراماجو.. حياة بائسة وكاتب عظيم القاهرة ـ صبحي موسى:
لا يمكننا أن نعتبر مذكرات الكاتب البرتغالي الشهير خوسيه ساراماجو ـ الصادرة اخيرا بترجمة أحمد عبد اللطيف عن سلسلة الجوائز في الهيئة المصرية للكتاب ـ إلا نوعاً من طقوس الاعتراف، ليس أمام راعي الكنيسة الذي لا يحبذه ساراماجو، ولا المحلل النفسي الذي كثيراً ما نتهرب من الجلوس أمامه، ولكن أمام قارئ عشق «تاريخ حصار لشبونة، و كل الأسماء، وعام وفاة ريكاردو ريس، والآخر مثلي، والعمى، والطوف الحجري» وغيرها من الأعمال التي فاز عنها بجائزة نوبل للآداب عام 1998.فهذا القارئ الذي يشعر أمامه ساراماجو بالطمأنينة والدفء والصدق راح يحكي له من دون خجل عن ميلاده عام 1922في قرية أزينهاجا بالقرب من نهر ألموند، ونشأته كواحد من أبناء الطبقة المعدمة في مدينة لشبونة، ليفاجئنا بالكثير من التفاصيل التي لم ترد في أي من رواياته، حتى أننا يمكننا القول انه الكاتب الوحيد الذي لم يستنزف تاريخه الشخصي في أي من أعماله، وظل محتفظاً بها بعيداً عن الاستهلاك الأدبي حتى تجاوز الثمانين من العمر، فقرر الجلوس أمام من أحبوا فرضياته الإبداعية التي صاغ على أساسها رؤيته للوجود والعالم.من بين هذه الاعترافات المدهشة رعبه الشديد من الكلاب، ونشأته في عالم لا علاقة له به إلا من خلال رقم الشارع واسم الحي وسطوح أو بدروم العمارة، فحين قرر والده خوسيه دي سوسا أن ينتقل بأسرته من أزينهاجا إلى لشبونة، حيث مقر عمله، لم يكن دخله يكفي للإقامة في بيت أو شقة مستقلة، ومن ثم لجأ للآقامة على أسطح العمائر الشهيرة، حيث الغرف التي صنعها أصحاب البيوت لإقامة الخدم، وهي حجرات لا تتسع إلا لسريرصغير ومنضدة أسماها ساراماجو تجاوزاً بالمطبخ، أما قضاء الحاجة فقد كان في حمام وحيد مشترك لكل هذه الغرف والأسر التي تقيم فيها.حجر الزاويةلم تتوقف علاقة ساراماجو بطبقة الأغنياء في لشبونة على مجرد الدخول والخروج من مدخل البناية التي تجمعهم معاً، فقد تعرف على بعض ملامح هذا العالم من خلال تطوافه مع أمه التي كانت تذهب لمسح السلالم وغسل الملابس أحياناً، وكثيراً ما حدثت مصادفات وضعته على مقربة من أبناء هذا الفردوس الأرضي، كأن يتعثر بسجادة فتنخدش ركبته، فيجيئه صاحب المنزل بشاش ومطهر، أما العطر الذي تتركه يد زوجة صاحب المنزل حين تحضر له قطعة من الشوكولاتة فلم ينمح من ذاكرته رغم مرور كل هذه الأعوام.بدت ذكريات البرتغالي الأشهر عن عوالم طفولته أقرب لمن يتأمل حجر الزاوية الذي قامت عليه مجريات ثمانين عاما من حياته، وبدا ساخراً من المتناقضات التي نشأ بينها، ساخراً من نفسه وسرقاته الصغيرة ورعبه الكبير وأوهامه التي بلا معنى عن حبيبة كان من المستحيل أن يرتبط بها، تلك التي كان يحضرها والدها التاجر من لشبونة لتقيم عدة شهور في أزينهاجا، حيث كانت أسرة ساراماجو تخدمهم في بعض الشؤون، وهناك نشبت العاطفة بين الطفلين، وهناك نشأ حبه الناقص للخيل، وظلت رغبته هذه مكتومة حتى قدر له وهو في مدرسة الصنائع أن يركب جواداً مماثلا، ولم يكد يمشي به عدة خطوات حتى سقط من على ظهره وكسرت ساقه، فظل يبحث طيلة حياته عن هذه اللحظة التي لم تكتمل.مشاهد الكلاب الضاريةأما رعبه من الكلاب فقد نبت في مدخل إحدى البنايات التي كان يقيم على سطوحها كان كلباً ضخماً كثيراً ما يزوم عليه كلما اقترب من المدخل ولا يفعل أكثر من ذلك، لكنه في يوم ما هاج وراح ينبح بقوة مطارداً إياه، بينما ساراماجو يصرخ طالباً أن يجيره أحد.المدهش أن الكاتب الذي افتتح مهرجان «كان» في دورته الأخيرة بعرض فيلم طويل مأخوذ عن روايته «العمي» رصد العديد من مشاهد الكلاب الضارية في هذه الرواية.رصد ساراماجو تفاصيل الحياة التي عاشها في بيت جده لأمه في قرية إزنهاجا، وكيف تحول والده المزارع إلى رجل شرطة في المدينة، يتأنق بقدر ما يستطيع في ملابسه وحديثه ليبدو مدنياً بين المدنيين، ونجماً متباهياً بفتوحاته بين أبناء قريته، ومن بينها حكاياته المتوالية عن بطولاته الجنسية مع نسوة المدينة، هذه البطولات كان يحكيها ليلاً لزوجته، فتسرها في نفسها حتى تحكيها في الصباح لنسوة أخريات يواسينها في زوجها الشهواني، ومن ثم فقد جعلت هذه المشاهد ساراماجو يقطع على نفسه عهداً بألا يهين طيلة عمره امرأة مهما كانت بكلمة أو فعل. اسم منتحلأما علاقته بالسجلات المدنية فقد كانت غريبة ومدهشة، ليس لأنه خرج منها بفكرة روايته الشهيرة «كل الأسماء»، ولكن لأننا نتكشف من خلالها أنه الحالة الوحيدة التي سمى فيها الطفل والده مثلما أعطاه والده اسماًَ، حدث ذلك حين ذهب خوسيه دي سوسا ليسجل المولود الذي رزق به في السجل المدني، لكن موظف السجل كان مخموراً في ذلك الوقت، وبدلاً من أن يكتب خوسيه دي سوسا، كتب خوسيه ساراماجو، ولأن الأب لا يجيد القراءة ولا الكتابة فقد عاد إلى البيت دون أن يشعر بالجريمة التي حدثت، ومرت السنوات حتى حمل أوراق ابنه ليقدمها إلى المدرسة، هنالك اتهموه بالتزوير لأن اسم الطفل مختلف تماماً عن اسمه، ولم يجد الأب حيلة غير أن يذهب ليغير اسمه هو إلى ساراماجو، لكنه ظل لا يعترف بهذا الاسم، وكلما أجبر على استخدامه كان يلعن موظف السجل السكير الذي كتب عليه العار وجعله يتخلى عن اسم عائلته، أما الحالة الثانية التي عانى فيها عن قرب من البحث في السجلات المدنية فقد كانت تخص أخا أكبر منه بعامين ونصف العام، مات بسبب السل في الحجر الصحي، وأراد ساراماجو وفاء وتخليداً لهذا الأخ أن يكتب عنه، فتوقف عند تاريخ وفاته الذي لا يعرفه، فما كان منه إلا أن أرسل للمستشفى لتبحث في سجلاتها عن تاريخ وفاة فرانسسكو دي سوسا، فأجابوه أنهم لم يجدوا هذا الأسم ولكنهم وجدوا خوسيه دي سوسا، وذلك لأن ساراماجو في الخامسة من عمره أصيب بنفس المرض ودخل الحجر الصحي، لكن المشكلة أنه بناء على خطاب المستشفى فإن أخيه ما زال حياً، ولكي يعرف أخذ يبحث ويبحث حتى اهتدى إلى الجدار الأخير وهو سجلات المقابر، حيث أفادوه بتاريخ وفاته ودفنه عام 1924. هذا البحث الروتيني الطويل هو الذي أوحى له بشخصية خوسيه موظف السجل المدني الذي أراد أن يصل إلى سيدة من خلال بطاقة المعلومات المثبتة لها في السجل المدني، كان هذا الموظف بطل كل الأسماء الذي أصبح روائياً شهيراً من خلال تسجيله خطوات وخطط بحثه عن السيدة التي أحبها دون أن يراها، ولعل التقارب واضح بين موظف السجل واسم المؤلف، وبين رحلة البحث عن أخيه ورحلته ورحلة الموظف لمعرفة تاريخ وحياة السيدة المجهولة.أصله العربيلكن الأكثر جرأة أن الكاتب الذي يحتفل الآن بمرور عشر سنوات على فوزه بجائزة نوبل أثبت في مذكراته أنه من أصول عربية، وأن جده العربي كان قصيراً قوياً ملقباً بخالع القلوب، وأن ملامح وجهه ووجه أخته وبقية أفراد عائلته لا تنتمي لملامح البرتغاليين، ويضيف قائلاً وعلى عكس ما يمكن أن يتصوره أحد فأبو جدي العربي الذي لم يتبق أثر مكتوب لخطوته في أزينهاجا ليس اختلاقاً رومنسياً فعلته لأزين به شجرة عائلتي المتواضعه، لكنه حقيقة جينية مؤكدة، هذا الرجل كان يعيش خارج القرية في كوخ بين الصفصاف، وكان يملك كلبين ضخمين يبثان الخوف في الزائرين، عندما ينظران لهم في صمت بلا نباح، وكانا لا يكفان عن النظر حتى ينصرفوا، أحد هؤلاء الزوار ـ كما حكت لي جدتي جوزيفا ـ لقي مصرعه وتم دفنه هناك، كان الزائر قد ذهب ليطلب من العربي تفسيراً لجذب المرأة إليه، فأعطاه لكمة في صدره، ولم يثبت أن القاتل قد عوقب بجريمته ربما يفسر لنا هذا احتفاء ساراماجو برصد مشاهد الكلاب في أعماله رغم رعبه منها، كما يفسر تلك الحميمية المدهشة التي كتب بها مشاهد المؤذن الأعمى في «تاريخ حصار لشبونة» ولمَ أضاف مصحح البروفات ريموندو سيلفا حرف الجزم «لم» قبل «يساعد البرتغاليون الأسبان في حصار لشبونة».ذكريات صغيرةيمكننا القول أن ساراماجو اعترف في ذكرياته الصغيرة بكل شيء، اعترف بأصله المتواضع ومهنته البسيطة كصانع أقفال، وأنه كان يكذب في طفولته عن كتب لم يقرأها، وأفلام لم يشاهدها، وأناس لم يقابلهم، وأب قال انه ليس رجل سياسة رغم أنه رجل السلطة الذي ينفذ أوامرها بكل طاعة وخوف، وأنه كان يربي الخنازير مع جده أزينهاجا، ويسرق مع أصدقائه ثمار حقول الفلاحين، وأنه حصل على درجة كبيرة في امتحان مدرسة الليسيه، وأنه لا يحب القسيسين، ولا يتذكر شيئاً من المبادئ التي تعلمها في مادة التربية القومية، وأنه قرأ بالصدفة في الصغر كتاباً لموليير كان يعتقد في البدء أنه دليل محادثة، ولا يعرف كيف وقع والده على هذا الكتاب فأحضره، كما لم يكن يعرف من الأساس من هو موليير وما الذي يفعله، لكنه كان طفلاً محظوظاً لأنه دخل عالم الأدب صدفة من أوسع أبوابه، وأن أمه وجاراتها كن يسرقن شركة المياه بأن يضعن إبراً في عدادات المياه، وأنها كانت ترهن البطاطين بعد انتهاء الشتاء لأنها لم يكن لديها مكان لتخزنها فيه، وأن عائلته تنقلت ما بين سطوح وبدرومات عدد من الأحياء المهمة في لشبونة لأنها ما كانت تقدر على الانتظام في دفع الإيجار الزهيد.

الاثنين، يونيو 30، 2008

أعمي ومبصر

أعمي ومبصر.. هكذا يجب أن يكون الكاتب أحمد عبد اللطيف
" بداية من سن معينة تركب الاوتوبيس ، تسمع كلمة ما ، مثل : بطانية ، وفي الحال تعرض ذاكرتك صفا من البطاطين التي مرت بحياتك . قد تتذكٌر البطاطين الاولي التي كنت تستخدمها في جلب الدفء اكثر منها في تزيين السرير ، احدي هذه البطاطين كانت ذات ملمس شبيه ببطانية اخر فندق نزلت فيه وكانت ذات ملمس خشن ، كما لو كانت من القطيفة الخشنة و الغليظة . ربما تقاوم الوسواس الذي يدفعك لتلعق بلسانك سطحها لتستعيد طعم الارق الطفولي ، والخوف . كما قد تسمع كلمة ¢ ساعة ¢ وحينها ستتذكر بلا شك تلك الساعة ذات الرقاص التي تدق كل ربع ساعة في بيت جديك . وربما تكون جالسا في ركن ما من مطعم ، وينطق احد بجانبك كلمة ¢ ممر ¢ حينئذ ، وبدون حاجة لتغمض عينيك ، تظهر امامك ممرات حياتك . هذا الممر الذي كانت تنزلق فيه دقات الساعة ذات الرقاص، بينما أنت داخل غرفتك تغطي راسك ببطانية حتي لا تسمع تك تاك الرقاص الذي يدق كل ربع ساعة . وقد يكون هذا الممر هو الممر الذي فيه بداية من ساعة بعينها وقت الظهيرة يبدأ التكدس الكثيف للاشباح . وقد يكون ايضا هذا الممر الذي دائما ما تتوه بداخله وربما لا تخرج منه ابدا . وان فكرت في هذا الكوب الذي تقربه الان لفمك ، قد تتذكر كوبا من الالومينيا ، له حافة باردة تشبه شفتي الجثة ، تلك الحافة التي تصدر كهرباء . بداية من سن معينة ، تصير الكلمات مثل لوحة المفاتيح بالكمبيوتر ، تنطقها بطرف لسانك ، او تضغط عليها باناملك ، سواء بسواء ، فيظهر علي الشاشة دليل البطاطين و الساعات و الممرات و الاكواب ، التي هي اجزاء منثورة من سيرتك الذاتية . وعندما تختلط كل هذه الادلة تحت شفرة الزهايمر المنظمة ، تكون جاهزا" .
هذا هو آخر ¢ مقال أقصوصة ¢ كتبه مياس ، وبهذا الاسلوب ايضا كتب روايته الجديدة ¢ دنيا ¢ التي فازت بجائزة بلانيتا العام 2007 ، والتي صنفت علي انها رواية ذاتية ، تناول فيها كاتب ¢لاورا وخوليو ¢ جزءا هاما من سيرته الذاتية في طفولته وصباه . وبهذه الجائزة يكون مياس قد حاز علي ثلاث جوائز ادبية : الأولي جائزة سيسامو في الرواية القصيرة عن عمل ¢ العقل هو الظل ¢ ، والثانية جائزة ناضال في الرواية عن عمل ¢ كانت هذه هي العزلة ¢ .
اختار مياس ليتقدم لهذه الجائزة اسما مستعارا له ¢ تيريسياس ¢ واسما مستعارا للرواية ¢ بلا تبصر ¢ وشرح اختيار العنوان المستعار للرواية قائلا ¢ مبصر واعمي ، هكذا يكون الكاتب ، لكي يري يجب ان يكتب بلا تبصر ¢ واعترف مياس ، في قصر المؤتمرات بكتالونيا ، ان جانبا ثريا من سيرته الذاتية نسج الخيط الروائي للعمل ، حيث قدم طفولة وصبي البطل الذي ترك دنيته المليئة باشيائه لينتقل مع عائلته، وهو في السادسة ، ليقيم في مدريد ، " إن ابحرنا في حياة كل كاتب سنجد شيئا مكسورا ، ونحن نكتب لنصلح هذا الشيء ، وانا اعلم ان حياتي قبل السادسة وبعدها مختلفة ، فلم تكن طفولتي سعيدة ". تبدأ " دنيا" بالقاء الضوء علي هذا الصبي الذي ولد في بالينثيا وانتقل لمدريد مع عائلته ، فانكسر شيء ما بداخله سنة 1952 . ¢ الطفولة ارض غير منظورة ان لم يحدث بها شرخ ، كما حدث معي ، تركنا بالينثيا ، المدينة المضيئة المطلة علي البحر الذي كنا نتنزه حوله ، لنطأ ارضا صارت هي العدم ، في رحلة فظيعة في قطار بكراس خشبية بصحبة البرد و الجوع . لكن بفضل هذا العدم المدريدي شعرت ان بالينثيا الارض الاسطورية ، استعارة للاشياء الاخري التي كسرت بداخلي والتي فتحت لي طريقا لاكون كاتبا ¢ .هناك عاش طفولة تعيسة ، حيث تغيرت ظروفهم الاقتصادية للاسوأ ، مما اثر في طباع والديه . كان الابن الرابع في عنقود طويل من الاولاد يصل عددهم لتسعة . ¢ كل هذا شيد امامي جيشا عدوا ، وكان يجب ان ادافع عن نفسي ، فدافع الطفل عن نفسه بالخيال ، افضل وسيلة للهروب من الواقع . ¢ ومن هنا جاءت نظرته الخاصة للدنيا والتي ميزت اسلوبه الادبي و الحياتي . ¢ ذات يوم اقترحوا علي ان اكون ظلا لنفسي . فنفذت ما اقترحوه . لم يكن من الصعب ان اسير ورائي ، فانا دائما أتأمل حياتي علي أنها خيال . لا اعرف كيف ولا لماذا انتهي بي المطاف داخل فندق . جالسا علي السرير سألت نفسي : ما اهم لحظة في حياتي . حينها بزغت في ذهني عبارة : كان ابي صاحب ورشة للاجهزة الطبية . فتذكرت في هذه اللحظة الطفولة و الورشة ¢ . بهذه العبارة بدأ مياس روايته .منذ فترة بدأ مياس يكتب نصوصا تروي سيرته الذاتية . ولكن ما الذي انكسر في مياس البالغ؟ . ¢ منذ سنوات اصلح من نفسي ، اشعر انني مخلوق من مواد منثورة ، كما الموتوسيكل المفكك الذي تباع قطع غياره . وانا سعيد بالنتيجة ، لأنه تشييد شخصي ، واغلب الناس يفعلون ذلك . ¢ ويعترف مياس ¢ اشعر ، وهذه الرواية توضح ذلك ، انني كنت ممزقا ، تنقصني قطع ، في حاجة لاجهزة نفسيه تعينني ، فساعدت الكتب الكثيرة و التفكير ان تعمل اجهزتي النفسية كغسالة المانية .¢ المراهقة و الذكريات المتلاحقة ومرور الزمن ، عناصر لا غني عنها في العمل المياسي ، وهو ما نلاحظه بشدة في اخر مقال اقصوصة ، وكذلك في روايته الجديدة ، كما نلاحظ بالتساوي التفاصيل الدقيقة والرسم الواضح لشخصيات رواياته ، كما في" لاورا وخوليو" و"كانت هذه هي العزلة "، والربط بين الخيال والواقع واذابة الخيوط بينهما في كل اعماله . ولا شك ان الذكري تعد عطفة في موضوع الهوية والقرين التي حددت اهم نجاحاته الادبية ، التي بدأت سنة 72 بعد ان ترك دراسة الفلسفة و الاداب وقدم روايته الاولي ¢ العقل هو الظل ¢ والتي نالت جائزة ادبية وثناء نقديا ولم تحقق مبيعات عالية ( لاورا وخوليو حققت 61 الف نسخة في الشهر الاول ) . وجاءت رواياته بالتوالي ¢ رؤية الغريق ¢ ¢ الحديقة الخالية ¢ . وجاء تقدم مياس مع ¢ حرف ميت ¢ ، لكن شهرته الواسعة ولدت مع ¢ كانت هذه هي العزلة ¢ التي نالت جائزة رفيعة ومبيعات عالية وثناء ادبيا وترجمت للعربية، حيث بدأ بها مياس التفتيش في ضمائر شخصياته وانحرف في خط روائي جديد . بعدها ترك عمله بشركة الطيران الاسبانية ( ايبريا ) وتفرغ للكتابة الادبية و الصحفية فظهرت ¢ الترتيب الابجدي ¢ ¢ لا تنظر تحت السرير ¢ ¢ امرأتان في براجا ¢ والتي نالت جائزة الربيع 2004 ، ثم لاورا وخوليو 2006 والتي حققت نجاحا توقعه العامة و النقاد من مياس وترجمت ل15 لغة منها العربية وظهرت في شرق وغرب بقطاع الثقافة بالاخبار.
مقال منشور بأخبار الأدب.

الجمعة، يونيو 27، 2008

الظلال و سطوتها

جريدة الأهرام عن الظلال وسطوتها
بقلم إبراهيم أصلان نبقي مع رواية‏(‏ لاورا وخوليو‏)‏ للأسباني خوان مياس‏, والتي ترجمها للعربية أحمد عبد اللطيف ، ‏ حيث نري خوليو وهو يجلس علي حافة سرير ابنة شقيقته الطفلة‏,‏ يعاونها علي النوم‏,‏ وهي تقول‏:‏‏
-‏ إذا أردت أن أنام‏,‏ احك لي حدوتة‏.
‏‏-‏ أنا لا أعرف حكاية الحواديت‏.
‏‏-‏ فقط قل كان يا ما كان وستري كيف تأتي الحدوتة‏.
-‏ كان يا ما كان‏. قالها وصمت‏.
‏‏‏-‏ كان في بلد . أضافت الصغيرة
وفي تلك اللحظة مشي أحدهم في الخارج وعبر ظله علي الحائط‏,‏ وحينئذ قال خوليو‏:
‏‏-‏ كان في بلد عدد ظلاله أقل من عدد أشخاصه‏.
‏‏-‏ لماذا؟
‏-‏ لأن نصف الناس كانوا يولدون بلا ظل‏.
‏‏-‏ وكيف كانوا وهم بلا ظل؟‏
-‏ كانوا طائشين‏
-‏ وما معني طائشين؟‏
-‏ يفكرون قليلا في الأشياء
‏-‏ أية أشياء؟‏
-‏ كل الأشياء‏,‏ تغلق الأبواب علي أصابعهم‏..‏ يلسعون ألسنتهم بالشوربة عندما يأكلون ، يتركون الحنفيات مفتوحة ، ويفكون رباط الحذاء‏.
‏‏-‏ وهل يتبولون في السرير؟‏
-‏ نعم‏
-‏ وماذا حدث؟‏
-‏ قررت حكومة هذا البلد تقسيم الظلال الموجودة إلي أنصاف ظلال وإعادة توزيعها علي المواطنين بالقرعة‏,‏ ليمتلك كل مواطن نصف ظل‏.
‏‏-‏ وماذا حدث بعد ذلك؟‏
-‏ حسنا‏,‏ سار الناس في الشوارع بنصف الظل الذي منحته لهم الحكومة ، لكن ذات يوم كان هناك شخصان يتجولان في حديقة ويسير خلف كل منهما نصف ظله‏,‏ وعندما دفعهما شيء للتوقف‏,‏ انتبها أن نصف ظل كل منهما التقي نصفه الآخر الأصلي بالمصادفة‏,‏ فالتحما‏,‏ ولم يعد ممكنا فصلهما أبدا‏,‏ وقد حدث توافق بين صاحبي نصفي الظلين‏,‏ وكانا رجلا وامرأة وتزوجا‏ . ‏منذ ذلك الحين بدأت كل أنصاف الظلال الموجودة في البلدة رحلة البحث عن نصفها الآخر وهي تسحب وراءها الأشخاص أنفسهم‏,‏ وهكذا صارت الظلال تسيطر علي العالم كله‏,‏ وعندما كان يلتقي نصف ظل مع نصفه الآخر كان أصحاب الظل يلتقيان أيضا دون ان تكون لديهم أية فرصة للاختيار‏,‏ لقد وقعوا جميعا تحت سلطة الظل‏,‏ كان هناك زواج بعقد وزواج بفسخ ليس استجابة لرغبة الجسد وإنما استجابة لرغبة الظل‏..‏ أصبح الأفراد جزءا فقط من الظل‏,‏ كانت ظلال الساسة هي التي تحكم البلد‏,‏ بينما ظلال المدرسين تشرح الدروس في المدارس لظلال التلاميذ‏,‏ وكانت ظلال رجال الشرطة تطارد ظلال المجرمين التي حكمت عليهم ظلال القضاة بالسجن‏,‏ وكانت ظلال الأطباء تعالج ظلال المرضي‏,‏ وفي الأسواق كانت تباع ظلال اللحم وظلال السمك وظلال الخبز إلي ظلال الزبائن‏,‏ وبما أن الظلال تعشق الظلام‏,‏ رويدا رويدا حرموا في هذا البلد كل مظاهر النور بداية من المصابيح ومرورا بالشمع‏,‏ ثم حرموا بعد ذلك ضوء الشمس‏,‏ وتحول المكان إلي ظل ضخم‏.
‏ هكذا قال ‏. ‏وفي هذه الأثناء كانت الطفلة قد أغمضت عينيها ‏. ‏لقد نامت.

الأحد، يونيو 22، 2008

عن مذكرات ساراماجو


جريدة القدس
فضوها سيرة

عزت القمحاوي
22 يوليو 2008
من أمتع ما كتب حول الرواية الأكثر فتنة ـ بعد دون كيشوت ـ أعني الجميلات النائمات، دراسة لماريو فارجاس يوسا يعيد فيها الرواية إلي أصل توراتي، هو حكاية أبيشج الشونمية التي اضطجعت في حضن الملك داوود (ليدفأ سيدنا المك) بعد أن فشلت كل الأغطية في دفع برودة الاحتضار.وقد انتحر ياسوناري كاوباتا من دون أن يكشف عن المثير الذي ألهمه روايته الجميلة، لتبقي قراءة يوسا مجرد فرضية تحتمل الصواب كما تحتمل الخطأ. وصوابها يكمن في شواهد أخري تؤكد أن العين الغريبة علي ثقافة ما تستطيع التقاط ما لا تلاحظه عين الذات، وفيما استخرجه الكتاب الغربيون من كنوز ألف ليلة والتصوف الشرقي عبرة لمن يعتبر.وهذه الفرضية؛ فرضية العين الغريبة التي تري أوضح، تجعلنا نتشكك في فرضية أخري متفشية بين النقاد العرب تعلق افتقارنا إلي فن السيرة الذاتية، علي عدم شيوع ثقافة الاعتراف التي تطبع المجتمع المسيحي الغربي. ويأتي الرد علي هذه الفرضية من بوذي ياباني آخر هو يوكيو ميشيما الذي كتب واحدة من أفضل السير الذاتية (اعترافات قناع) التي يمكن ردها بسهولة إلي تقليد الاعتراف الكنسي، والإحساس بالذنب أكثر مما نستطيع أن نرد أية سيرة ذاتية غربية، من اعترافات القديس أوغسطين إلي اعترافات جان جاك روسو وحتي جان جينيه، وجينيه بالذات يتناول ذات الموضوع الذي يتناوله الياباني ميشيما، لكن ميشيما هو من يكتب بإحساس المذنب لا المسيحي جينيه. ويذكرنا جان جينيه بمحمد شكري الكاتب العربي الذي يمكن أن نحسبه علي تقاليد الاعتراف كأي من كتاب أوروبا المسيحية.وكل هذه الشواهد: من رواية كاواباتا إلي اعترافات محمد شكري تؤكد إمكانية تأثر الغريب بتقاليد الثقافة الأخري، أو لنعترف بأن الرغبة في البوح، ولع يوحد البشرية.وفي الحالتين علينا أن نبحث عن سبب آخر لتعثر فن السيرة عربياً.ولنتفق أولاً علي أن إلصاق صفة (الاعتراف) كمحدد وحيد لفن السيرة ينقل هذا الفن من فنون الأدب إلي فنون الصحافة، مثلما نقلت فضائل البوح والكشف والتعرية الرواية العربية من مقام الفن إلي مقام نشرة الأخبار.في بعض السير كـ اعترافات قناع وفي بعض الروايات السيرية كـ البحث عن الزمن المفقود قد لا نعثر علي حدث أو فعل يتم الاعتراف به، فكثير من الأعمال الحلوة تنبع حلاوتها في تمحورها حول ما لم يحدث، وليس ماحدث. لكن غياب الفعل لا يعني غياب التفكير فيه، وسكون الجسد يعوضه صخب الروح، التي تغلي بأسئلة الكتابة والوجود. ربما هنا يكمن السر. وفي الفرق بين سيرة المواطن وسيرة الكاتب يكمن الفرق بين عديد من السير الذاتية العربية غير الممتعة، وبين السير الممتعة في آداب الشرق والغرب. سيرة الكاتب تسبر اعماق أحلامه ومخاوفه، وسيرة المواطن تقدم أوراقاً ثبوتية: ولدت سنة...، وتخرجت في...، وتتلمذت علي!والمشكلة أيضاً ليست مشكلة حرية؛ فسيرة أدباء من أمثال كزنتزاكيس أو ماركيز، أو ساراماجو (التي انتهيت من قراءتها حالاً وكانت في الحقيقة دافعي إلي هذه التأملات) ليس فيها ما يحتاج إلي الحرية، أو ما يمكن أن يتحرج كاتب من ذكره في أكثر المجتمعات العربية تزمتاً. لا تصادم مع الدين ولا اجتراح بطولات ضد الإله، ولا تنفج بفحولة حقيقية أو مدعاة مع النساء.ليس لدي أي منهم سوي عذوبة الحكي، حول طفولة وشباب عاديين، وتحت هذه العادية الخادعة نلمح عذابات الكائن وتشوفه إلي الكتابة. نيكوس كزنتزاكيس جعل من سيرته الطريق إلي غريكو صعوداً نحو الجد، أو نحو الإطلالة الكريتية إطلالة المجد يعني، وهي القيمة الحقيقية التي يراها لوقائع حياته. ماركيز أخذها من أقصر الطرق، ليقرر في العنوان أنه ما عاش حياته إلا ليرويها، بينما يعنون ساراماجو سيرته بعنوان شديد التواضع الذكريات الصغيرة 1 ويقول فيها إنه فكر في البداية بتسميتها بـ كتاب الوساوس فما يحكيه هو وساوسه وتخوفاته من وقائع بسيطة مثل الخوف من زوج الجارة لأنه تعرض لها بكلمة، أو انتظار انتقام أب لفتاة لم يفعل سوي أن نظر إليها من الشرفة، أو التكوم تحت اللحاف منصتاً لخطوات مجذوم علي أرضية المطبخ الخشبية، وقد من الشاشة في الفيلم الذي شاهده في في ذات الليلة وتتبعه من صالة السينما إلي بيت خالته، حيث جاء ليقضي شطراً من عطلته الصيفية عندها!يتذكر ساراماجو، عندما أرسلته أمه لشراء ملح من محل البقالة القريب، وفتح القرطاس وتذوق حبات الملح. واقعة شديدة التفاهة ولا تستحق أن تروي، إلا أنها كانت طريقه لاكتشاف أكثر المرطبات بدائية: مزيج من الملح والخل والسكر. وقد استخدم هذه التركيبة بعد ذلك في كتابه الإنجيل لقتل العطش الأخير للمسيح.هذه القصة وغيرها مما تضمنته سيرة ساراماجو توضح الفرق بين سيرة المواطن وسيرة الفنان؛ الأول يراكم الوقائع والأخبار التي لا يدري القاريء لها نفعاً، مهما كانت أهميتها لصاحبها، والثاني يحكي عن أكثر الوقائع ابتذالاً، لكنها تصبح ذات شأن في علاقتها بفنه وتأثيرها عليه. الفن وحده هو ما يعطي هذا المواطن البرتغالي أو ذاك اليوناني أو الكولومبي مشروعية التعري أمامنا، وهو ما يعطي ذكرياته مشروعية أن تروي.

1 خوسيه ساراماجو، الذكريات الصغيرة، ترجمة أحمد عبداللطيف، الهيئة المصرية العامة للكتاب، سلسلة الجوائز.

الأربعاء، يونيو 18، 2008

شيء خطيرا جدا سيحدث في هذه القرية

حكي جارثيا ماركيز ، نوبل 1982، ذات مرة في احدي لقاءاته ، واحدة من أجمل قصصه القصيرة ، و عنوانها " شيء خطير جدا سيحدث في هذه القرية " تقول هذه القصة ـ الحدوتة ـ الحكمة : استيقظت سيدة ذات صباح بوجه عبوس ، جلست لتتناول افطارها مع ابنها و بنتها ، فسألها أحدهما عن سبب حزنها ، فقالت إنها رأت في المنام حلما يزعجها ، و أضافت ، شيء خطير جدا سيحدث في هذه القرية ! . ابتسم ابناها ، و قالا لأمهما " لا تصدقي في هذه الأشياء" . في المدرسة كان الولد مشغولا بما قالته أمه ، و بعد انتهاء اليوم الدراسي خرج ليلعب البلياردو مع أحد زملائه ، و كانت هذه عادتهما اليومية ، فهزمة زميله علي غير العادة عدة مرات . و في النهاية سأله عن سر انشغاله ، فأخبره الولد أن أمه رأت في المنام أن شيئا خطيرا جدا سيحدث في هذه القرية . عاد زميل ابن السيدة للبيت ، و أثناء تناول الغداء مع أسرته قال ساخرا إن أم فلان زميله في المدرسة تقول إن شيئا خطيرا جدا سيحدث في قريتنا ، فوبخته أمه و قالت له إنه لا يصح أن يسخر من سيدة كبيرة ، فرأيهن دوما ما يصيب . في اليوم التالي ذهبت هذه السيدة( أم زميل ابن السيدة صاحبة الرؤية ) للسوق لشراء حاجات يومها ، و عندما كانت أمام الجزار طلبت منه كيلو لحم ، ثم تراجعت و قالت " وللا أقول لك خليهم اتنين كيلو " ، و أضافت : أصلهم بيقولوا إن في شيء خطير جدا هيحصل في هذه القرية " ، نظر لها الجزار بقلق ، لكن السيدة لم تفسر له شيئا . ذهبت السيدة و ظل الجزار شاردا ، جاءت سيدة أخري و طلبت كيلو لحم ، " أنصحك تاخدي اتنين كيلو احسن دول بيقولوا ان في شيء خطير جدا هيحصل في قريتنا " ، نظرت له المرأة و قالت " مادام في شيء خطير هيحصل ، اديني خمسة كيلو " . في غضون عدة أيام سمعت السيدة التي رأت الرؤية ضجيجا و جلبة في الشارع ، فخرجت للشرفة مع ابنيها ، فوجدت عددا هائلا من العربات النقل تحمل اثاثا ، و في طريق خروجها من القرية ، حينها نظرت المرأة لابنيها وقالت " ألم أقل لكما أن شيئا خطيرا جدا سيحدث في هذه القرية " .

السبت، يونيو 14، 2008

مقتطف من مذكرات ساراماجو

من حين لآخر ، كانت السيدات تذهبن ايام الآحاد عصرا الي بايكسا للفرجة علي الفترينات . وفي أعم الاحوال كن يذهبن سيرا علي الاقدام ، وذات مرة ركبن الترام ، وكان أسوأ ما يمكن ان يحدث لي في هذه السن ، حيث أنني سريعا ما يصيبني الدوار بسبب رائحته من الداخل ، فالجو شديد السخونة ، شبه النتن ، قلب معدتي ، وفي دقائق قليلة جعلني أتقيأ . ففي الترام علي وجه الخصوص اصير مخلوقا ضعيفا . مع مرور الوقت تضاءل هذا التعصب الشمي ( لا اعرف اسما آخر لأطلقه علي هذه الحالة ) لكن الحق أنني ، خلال سنوات ، كان يكفي أن أدخل الترام حتي اشعر بدوخة . أيا كان السبب ، سواء أشفقن علي حالي ، او لأنهن كن يريدن التمشية ، في هذا الاحد هبطنا سيرا من شارع فرناو لوبيس ، أنا وأمي وكونسيبسيون ، وأعتقد ايميديا أيضا ، مرورا بشارع فونتيس بيريرا ثم بشارع لا ليبردادي ، واخيرا صعدنا لشارع التشيادو ، حيث هناك كانت تعرض كنوز علي بابا القيمة . لا أتذكر الفترينات ، ولا أنا هنا من اجل الحديث عنها ، فهناك مسائل أكثر جدية تشغلني في هذه اللحظة . بجانب أحد أبواب مخازن جرنديللا كان هناك رجل يبيع البالونات ، وربما لأنني طلبت منه ( وهو الامرالذي ارتاب فيه كثيرا ، لأن من ينتظر أن يعطوه ، يتجرأ ويطلب ) او ربما لأن أمي أرادت ، وهو شيء غير مألوف ، أن تجعلني إجتماعيا ، صارت واحدة من هذه البالونات في يدي . لا أتذكر أكانت خضراء ام حمراء ، صفراء ام زرقاء ، او كانت بيضاء بكل بساطة . فما حدث بعد ذلك مسح من ذاكرتي اللون المفترض أن يظل ملتصقا بعيني للابد ، حيث أنها كانت اول بالونة أمتلكها في عمري كله البالغ ستة او سبعة اعوام . كنا في طريقنا الي الروسيو ، عائدين الي البيت ، كنت فخورا كما لو كنت اسوق العالم بأسره وأربطه بخيط وأطيره في الهواء ، فسمعت فجأة شخصا يضحك من ورائي . نظرت و رأيت . كانت البالونة قد انفشت ، وكنت اجرها علي الارض دون أن أنتبه ، وقد أصبحت شيئا قذرا ، منكمشا ، لا شكل له ، وكان الرجلان القادمان ورائي يشيران إلي بسبابتهما ، أما أنا فقد كنت في هذه المرة نموذجا للأراجوز البشري . لم أستطع حتي البكاء . أطلقت الخيط ، أمسكت بذراع امي كما لو كانت طوق النجاة وواصلت سيري . هذا الشيء القذر ، المنكمش ، عديم الشكل ، كان في الحقيقة الحياة الدنيا .

الخميس، يونيو 12، 2008

مذكرات ايزابيل الليندي

07/10/2007 أخبار الأدب
شرق وغرب
فصول من مذكرات ايزابيل الليندي: " حصاد الأيام "
ترجمة : أحمد عبد اللطيف
" حصاد الأيام " عنوان اختارته إيزابيل الليندي لمذكراتها التي صدرت منذ أيام. والمذكرات هي استكمال لكتابها " رسائل إلي باولا " ، وفيها تروي لابنتها التي رحلت ما حدث لها ولعائلتها من محن في السنوات الثلاث عشرة الأخيرة، منذ وفاتها، وتعترف الليندي ان هذه المذكرات تعد كتابة علاجية ، لأنها سمحت لنفسها بتأمل الأحداث بدقة في السنوات الأخيرة، لكنها ليس تعويذة، فهو كتاب يمجد المغامرة في الحياة.
هنا ترجمة لثلاثة فصول من المذكرات.
كل حياة، حلقة في مسلسل
قضيت عام 1993 شبه محبوسة متفرغة للكتابة، بين الدموع و الذكريات يا باولا، لكنني لم أستطع أن أتجنب جولة طويلة بعدة مدن أمريكية من اجل كتابي خطة لانهائية ، وهي رواية مستوحاة من حياة ويلي، انتهيت من نشرها باللغة الانجليزية لكنني كنت قد كتبتها قبل ذلك بسنتين والآن أصبحت موجودة بعدة لغات اوروبية. لقد سرقت عنوانها من والد ويلي، الذي يدين بدين رحال يسميه خطة لانهائية . وأرسل ويلي، زوجي، هذه الرواية كهدية لأصدقائه، وأظن انه هو من اشتري الطبعة الأولي كاملة. وكان فخورا جدا لدرجة أجبرتني ان أذكره أنها ليست سيرته الذاتية، وإنما خيال. حياتي رواية ، أجابني. كل حياة يمكن أن تروي كرواية، فكل منا بطل اسطورته الخاصة. في هذه اللحظة، عند كتابة هذه الصفحات، تراودني الشكوك. هل تتابعت الأحداث كما يحدث عندما أتذكرها وأرويها ؟. بالرغم من مراسلتي الاساسية مع امي، التي نحتفظ فيها يوما وراء يوم بالصدق سواء في حكاية الاحداث التافهة او الهامة، الا ان هذه الصفحات تعبر عن مشاعري. أخبرني ويلي أن الرواية كانت خريطة لمسيرة حياته وأضاف أنه من المؤسف ان الممثل باول نيومان أكبر في السن من دور البطل لو جعلوا من الرواية فيلما. ألم تلحظي أن باول نيومان يشبهني ، جعلني أري بتواضعه المألوف. لم أنتبه لهذا من قبل، فأنا لم أعرف ويلي شابا، عندما كانا توءمين. تم نشر الرواية باللغة الانجليزية في لحظة سيئة بالنسبة لي، فلم أكن أرغب في رؤية احد وكانت فكرة جولة الدعاية تخنقني. كنت مريضة بالأحزان، مهمومة بما كان من الممكن ان افعله ولم افعله لإنقاذك. كيف لم أنتبه لاهمال الأطباء في مستشفي مدريد تلك ؟ لماذا لم أخرجك من هناك وآتي بك إلي كاليفورنيا في الحال ؟ لماذا، لماذا... سجنت نفسي في المكان الذي قضيت فيه الأيام الأخيرة، لكن حتي هذا المكان المقدس لم يهبني الطمأنينة. لقد مرت سنوات طويلة كنت فيها صديقتي الرقيقة و الدائمة. حينها كنت اشعر بغيابك كألم صلب، كضربة في الصدر تجعلني أقع علي ركبتي. كنت أيضا مهمومة بنيكو، لأننا قد عرفنا في التو أن أخاك أيضا مصاب بهذا المرض الكبدي. باولا لم تمت بالمرض، بل ماتت بالإهمال الطبي ، ألح اخوك، ليطمئنني، لكنه كان قلقا، ليس علي نفسه وإنما علي ابنيه والثالث القادم في الطريق. قد يصاب الأولاد بهذا المرض الوراثي المشئوم، سنعرف ذلك عندما يصلون لسن يمكن فيها إخضاعهم للفحص. بعد موتك بثلاثة شهور، أخبرتنا ثيليا أننا في انتظار مولود جديد، وهو ما كنت أرتاب فيه، بسبب السواد الكامن تحت عينيها ولانني ايضا قد رأيت ذلك في المنام، كما رأيت اليخاندرو وأندريا قبل أن يتحركا في بطن امهما. انجاب ثلاثة اطفال في خمس سنوات كان قلة حيطة. كان نيكو وثيليا يفتقران للعمل الثابت وكانت تأشيرات الطلبة التي يحملانها علي وشك الانتهاء، مع ذلك احتفلنا بالخبر. لا تحملا هما، فكل مولود يأتي بخبزه في يده ، كان هذا تعليق أمي عندما جاءها الخبر. وهذا ما حدث. في نفس هذا الاسبوع بدأنا اجراءات تأشيرات الإقامة لنيكو وعائلته، فأنا قد حصلت علي المواطنة في الولايات المتحدة بعد خمس سنوات من الانتظار، وكان بإمكاني أن آويهم.عرفت علي ويلي سنة 1987، قبل أن تتعرفي انت علي ارنيستو بثلاثة شهور. أحد قد قال لك حينها إنني قد تركت أباك من اجله، لكن أؤكد لك أن هذا لم يحدث. لقد عشت أنا وأبوك معا 29 عاما، فقد عرفته وأنا في سن الخامسة عشرة وهو علي وشك العشرين. وعندما قررنا الطلاق، لم اكن حتي لأشك أنني سأجد ويلي بعد ذلك بثلاثة شهور.لقد جمعنا الأدب : قرأ لي ويلي روايتي الثانية وشعر بالحماس ليتعرف عليٌ عندما كنت اعبر شمال كاليفورنيا كالطائرة الورق. خاب أمله، فلم اكن انا نوع المرأة التي يفضلها، لكنه داري ذلك جيدا واليوم يؤكد أنه شعر إتجاهي برباط روحي سريع. أنا لا اعرف ماذا يعني ذلك. من جانبي، كان لابد ان أتصرف بسرعة، لأنني كنت أقفز من مدينة لأخري في سفر مجنون. هاتفتك لأطلب منك النصيحة وقلت لي وأنت تقهقهين، لماذا أسألك، إن كنت قدإتخذت قرارا بالسعي وراء المغامرة. فحكيت القصة لنيكو الذي صاح مرعوبا : في سنك هذا يا أمي . كان عمري خمسة واربعين عاما، وهو ما بدا له عتبة القبر. فأعطاني هذا الحل : لا يجب ان أضيع الوقت،، وان أدخل في الصميم. لكن عجلتي كنستها حيطة ويلي المبررة. ولن أكرر هنا ما تعرفينه وما قد رويته مرات عديدة : طبقا لويلي، لديٌ خمسون رواية عن كيف بدأ حبنا وكلها صحيحة. ولكي أختصر، أذكٌرك أنه بعد أيام قليلة تركت حياتي السابقة ونزلت بلا دعوة في بيت هذا الرجل الذي أولعت كنت تدرسين في فيرجينيا وهو كان لديه 21 عاما، شاب لا يحتاج رضعة أمه.وعندما استرد ويلي نفسه من المفاجأة الشديدة عندما رأني علي باب بيته بحقيبة السفر، بدأنا حياتنا معا وبحماس، بالرغم من الاختلافات الثقافية التي تفرقنا ومشاكل الأولاد التي لا أنا ولا هو نعرف قيادتهم. كان يبدو لي إن حياة ويلي وعائلته تشبهان الكوميديا السخيفة التي لا تترك تأثيرا. كم مرة هاتفتك لأطلب منك النصيحة ؟. أعتقد كل يوم. ودائما كان ردك لا يتغير: ماهو أكرم حل ترينه في مثل هذا الموقف يا أمي ؟ . تزوجنا أنا وويلي بعد ذلك بثمانية شهور. لم تكن المبادرة من جانبه، بل من جانبي. وعندما ادركت أن عاطفة اللحظة الأولي ستتحول لحب وأنني من الممكن أن أبقي في كاليفورنيا، قررت ان احضر أولادي إلي هنا. كان يجب ان اكون مواطنة امريكية ان كنت ارغب الاجتماع بك وباخيك،، وبالتالي لم اجد امامي مخرج سوي ان اتنازل عن كبريائي واقترح علي ويلي فكرة الزواج. لم يكن رد فعله غبطة منفجرة، كما تجرأت انا وانتظرت، وإنما كان رهبة، لأنه قد مر بتجارب حب فاشلة أطفأت عواطف قلبه الملتهبة، لكنه في النهاية طوق يدي. حسنا، لم يكن الأمر صعبا حقيقة : أعطيته فرصة حتي الساعة الحادية عشرة من اليوم التالي ليقرر وبدأت أرتب حقيبتي. وقبل أن تنتهي المدة بربع ساعة، قبل ويلي يدي، مع أنه لم يفهم أبدا اصراري الملح في الحياة بجانبك وبجانب نيكو، لأن الشباب في الولايات المتحدة يهجرون البيت الأبوي عندما ينهون المدرسة ويعودون فقط للزيارة في الكريسماس أو يوم العرفان بالجميل. ويصدم الأمريكان العادة التشيلية للتعايش في عشيرة للأبد.لا تجبرني علي الاختيار بينك وبين أولادي ! حذرته في تلك المرة. لن يخطر ذلك في بالي. لكن، أأنت متأكدة انك تريدين أن يعيش الأولاد بالقرب منك ؟. سألني. من حق الأم دائما أن تدعو أولادها.زوٌجنا رجل حصل علي ترخيصه بالبريد، مقابل دفع 25 دولارا، لأن ويلي، مع انه محام، لم يستطع توفير أي قاض صديق يقوم بهذه المهمة، وهو ما أثار فيٌ التشاؤم. ويوم الزفاف كان اكثر الايام حرارة في تاريخ ولاية مارين. وطقس الزفاف اقيم في مطعم ايطالي ليس به تكييف، وبالتالي فقد ساحت التورتة كلية، وأغمي عليها الآنسة التي كانت تعزف علي الجنك، اما المدعوون الذين تصببوا عرقا، فقد خلعوا ملابسهم. فصار الرجال بلا قميص ولا حذاء، وصارت النساء بلا جوارب ولا ملابس داخلية. لم اكن اعرف احدا سوي اخيك وأمي وناشري الأمريكي، وجاءوا جميعا من بعيد ليكونوا بصحبتي. دائما راودني الشك ان هذا الزفاف ليس شرعيا كلية، واتمني ان يأتي اليوم الذي يحمسنا لنتزوج كما ينبغي. لا أريد أن تأخذي انطباعا انني تزوجت فقط من اجل المصلحة، فما شعرت نحو ويلي بشبق بطولي يفقد النساء عادة صوابهن، كما حدث لك مع ارنيستو، لكن في السن الذي وصل له كلانا لم نكن في حاجة للزواج، إلا بسبب موضوع التأشيرة. في ظروف أخري كنا سنعيش في رفقة، كما كان ويلي يفضل بلا شك، لكنني لم ارغب أن آذي عائلتي بسبب من كان خطيبي الشبيه بباول نيومان. لقد خرجت معك ومع نيكو من تشيلي خلال الديكتاتورية العسكرية لعقد السبعينات، ومعكما لجأت إلي فنزويلا حتي نهاية الثمانينات، ومعكما فكرت أن أهاجر للولايات المتحدة في التسعينات. ولم يساورني الشك في أنك وأخاك ستكونان معي في كاليفورنيا افضل من ان تتشردا في العالم،، لكنني لم أحسب التأخير الشرعي. مرت خمس سنوات، كانت بالنسبة لي خمسة قرون، وخلالها تزوج كل منكما، تزوج نيكو من ثيليا في فنزويلا وانت من ارنيستو في اسبانيا. لهذا لم اجد مانعا حقيقيا من زواجي. وبعد فترة تمكنت من ان انشيء لنيكو وعائلته غرفتين في بيتنا، ولو لم يأتك الموت مبكرا، لكنت ستعيشين بجانبي. سافرت في رحلة عابرة بالولايات المتحدة في اتجاهات عدة كدعاية لروايتي وإلقاء محاضرات كنت قد أجلتها من العام الماضي، عندما لم أستطع أن أتحرك من جانبك. أتشعرين بوجودي يا ابنتي ؟. سألت نفسي هذا السؤال مرات عديدة. ماذا كنت ترين في منامك في الليل الطويل لسنة 92 ؟. كنت تحلمين، أنا متأكدة، لأن عينيك كانتا تتحركان تحت جفونك وأحيانا كنت تستيقظين خائفة. فالدخول في غيبوبة يشبه التقيد داخل ضباب كابوس كثيف. طبقا للأطباء، انت لا تنتبهين لشيء، لكن اجد من الصعوبة تصديق ذلك. في سفري كنت احمل معي حقيبة بها أقراص منومة، للألم الوهمي، و لتجفيف دموعي وللخوف من العزلة. لم يستطع ويلي ان يصحبني لظروف عمله، فمكتبه لا يغلق حتي ايام الاحاد، ودائما اجد معجزات في صالته الامامية ومئات من القضايا علي مكتبه. في تلك الايام كان مشغولا بمأساة مهاجر مكسيكي مات عند سقوطه من الدور الخامس بمبني تحت الانشاء في سان فرانسيسكو. كان يدعي خوبيتو باتشيكو في التاسعة والعشرين من عمره. لم يكن له اي وجود شرعي. وتخلت عنه شركة المقاولات، لان الرجل كان بلا اوراق.لم يكن لمساعد المقاول تأمين ولم يتعرف علي باتشيكو. كان قد جذبه في شاحنة قبل الحادث بأيام، بصحبة عشرين من المهاجرين غير الشرعيين مثله، وساقه حتي مكان العمل. خوبيتو باتشيكو كان فلاحا ولم يصعد أبدا فوق سقالة، لكن ظهره كان قويا ويرغب في العمل. لم يعلمه احد أنه يجب ان يلبس درع الأمان. سأحاكم نصف العالم لو لزم الأمر ن لكن قبل ذلك اسعي للحصول علي تعويض لعائلته الفقيرة ، سمعت ويلي يقول ذلك آلاف المرات. وكما نري ليست قضية سهلة. كانت معه صورة شبه فاسدة الالوان لعائلة باتشيكو في مكتبه : أبوه، أمه، جدته، ثلاثة أطفال صغار ورضيع بين يديه، يرتدون ملابس الذهاب للكنيسة، يصطفون في عز الشمس في ميدان مترب بالمكسيك. الوحيد الذي كان ينتعل حذاء هو باتشيكو، رجل هندي داكن بابتسامة شامخة وبيده قبعة فقيرة من القش. في هذه الجولة ارتديت الاسود من قدمي لرأسي، بحجة أن الاسود لون أنيق، حيث لم أرغب ان اقبل حتي امام نفسي أنني أسير بلبس الحداد. تبدين مثل ارمل تشيلية ن قال لي ويلي ، واهداني شالا أحمر كرجال المطافيء.لا أتذكر إلي اي مدن ذهبت، ولا من عرفت، ولا ماذا فعلت، ولا يهم، سوي انني قابلت ارنيستو في نيويورك. تحركت مشاعر زوجك كثيرا عندما اخبرته انني أكتب مذكرات عنك. بكينا سويا وحصاد أحزاننا أطلق عاصفة من البرد. لكن البرد يأتي في الشتاء ، قال لي نيكو عندما حكيت له ما حدث بالتليفون. قضيت عدة اسابيع بعيدة عن اهلي كالمنومة مغناطيسيا. بالليل كنت أنام في أسرٌة لا أعرفها، فاقدة الحس بسبب المنوم، وفي الصباح كنت انفض الكوابيس بفنجان قهوة داكنة.كنت اتحدث مع اهلي بكاليفورنيا وارسل خطابات لامي بالفاكس، أقول لهم إن الزمن ينتهي لأنهم يختمون بحبر رقيق علي الضوء. حدثت أشياء كثيرة حينذاك نسيتها، وأنا علي يقين أن ذلك افضل. كنت اعد الساعات لأعود لبيتي وأختبيء من العالم، كنت اريد أن أنام مع ويلي، العب مع احفادي، وأسلي نفسي صانعة عقود في ورشة صديقتي طبرا. علمت ان ثيليا تفقد وزنها بسبب الحمل، بدلا من أن تزيد وزنا، وانا حفيدي اليخاندرو يذهب للحضانة بحقيبته علي ظهره، وأن اندريا تحتاج لإجراء عملية في عينيها. كانت حفيدتي رقيقة، لها زغب مدهب في رأسها وكانت حولاء، تشرد عينها اليسري وحدها. كانت هادئة وصموتة، تبدو دائما كأنها تخطط لشيء، تمص اصبعها وهي ملفوفة بقماط من القطن، وكانت تسمي اصبعها توتو ولم تطلق سراحه أبدا. أنت لم تحبي الأطفال، باولا. وذات مرة عندما جئت في زيارة ووجب عليك تغيير حفاظة اليخاندرو، اعترفتي لي أنك عندما كنت تغيرين له، فقدت الرغبة في الأمومة. لم تعرفي اندريا لكن في الليلة التي تركتي فيها عالمنا كانت هي نائمة، بجانب أخيها، في طرف السرير. معجزات يومية صغيرة في السادس من ديسمبر كانت ذكري وفاتك الأولي. كنت اريد ان اتذكرك جميلة، بسيطة، سعيدة، ترتدين فستان العروسة أو تتخطين البرك تحت مطر طليطلة، بشمسية سوداء : لكن عندما حل الليل، وفي كوابيس، كانت تهاجمني صور تراجيدية : سريرك وأنت في المستشفي، صوت جهاز التنفس، كرسيك المتحرك، المنديل الذي كنا نغطي به فتحة الخزع الرغامي، يداك المتشنجتان. أحيانا كثيرة دعوت الله ان أموت انا بدلا منك، وعندما كان هذا البديل مستحيلا، دعوت الله أن اموت مصابة بمرض، لكن الموت صعب، كما تعرفين وكما تقول جدتي التي كان ينقصها القليل لتتم مائة عام من الحياة. بعد عام من وفاتك كنت مازلت حية، بفضل عطف عائلتي والإبر السحرية والأعشاب الصينية للحكيم الياباني ميكي شيما، الذي كان بجانبي وجانبك في الشهور التي ودعتي فيها العالم رويدا رويدا. لا اعلم ما اثر هذه الوسائل عليٌ، لكن وجوده المطمئن ورسالته الروحية أعاناني أسبوعا وراء آخر في تلك الفترة. لا تقولي إنك ترغبين الموت، لأنك بذلك تقتليني بالحسرة ، لامتني امي ذات مرة عندما لمحت لها بذلك في خطاب. أمي لم تكن السبب الوحيد لأستمر في الحياة، كان هناك ويلي ونيكو وثيليا وهؤلاء الأحفاد الثلاثة الذين اعتادوا ان يوقظوني بأياديهم المتسخة وقبلاتهم سائلة اللعاب، ثلاثتهم بحفاظته ذات رائحة العرق والرضاعة. في نفس السرير ليلا، كنا نشاهد سويا، متعانقين، أفلام الديناصورات المرعبة التي كانت تلتهم الممثلين. اليخاندرو، ذو الرابعة، كان يأخذني من يدي ويقول لي ألا أخاف، فتلك الافلام اكذوبة، فالحيوانات الخرافية ستتقيأ الأشخاص كاملين لأنهم لم يمضغوهم. في صباح يوم الذكري السنوية ذهبت مع اليخاندرو إلي الغابة، التي نسميها الآن جميعا غابة باولا . ياللعجب، يا ابنتي، لأنها حديقة حكومية. كانت السماء تمطر، كان الجو بردا، دخلنا في الطين، وكانت رائحة الجو صنوبر، وبين ثغرات الأشجار كان يطل ضوء الشتاء الحزين. كان حفيدي يجري امامي بقدمين تتحدف في الجوانب ويحرك ذراعيه كالبط. اقتربنا من المجري الصغير، المضطرب في الشتاء، حيث نثرنا رمادك. عرفته بالضبط.كان باولا مريضة بالأمي قال : بالنسبة له كل الماضي أمس.نعم، إنها ماتت. من قتلها ؟ الأمر ليس كما في الأفلام، اليخاندرو، أحيانا تمرض الناس وتموت، هذا كل شيء. أين يذهب الموتي ؟ لا أعرف بالتحديد. إنها ذهبت من هناك. قال مشيرا للمجري الصغير.ذهب رمادها في الماء، لكن روحها مازالت تعيش في هذه الغابة. ألا يبدو لك جميلا ؟لا، من الأفضل ان تعيش معنا قرر. قضينا وقتا طويلا نتذكرك في هذا المعبد الأخضر، حيث استطعنا ان نشعر بك، ملموسة وحاضرة، كما النسيم البارد والمطر. وقت الظهيرة اجتمعت العائلة حتي ارنيستو الذي جاء من نيو جيرسي وبعض الاصدقاء في بيتنا. جلسنا في الصالة واحتفلنا بعطاياك التي وهبتيها لنا في حياتك ومازلت تهبينها : ميلاد الأحفاد سابرينا ونيكولي ودول المهات، فو وجريث، إلي القبيلة، بالإضافة لسالي. شمعة بيضاء متواضعة، بفتحة في المنتصف، كانت تنتصف المذبح الذي ملأناه بصورك وذكرياتك. في العام الماضي، قبل موتك بثلاثة ايام، التقيت ب أخوات الفوضي الدائمة في بيت احداهن، وكالعادة كنا نقضي أيام الثلاثاء حول ست شمعات جديدة. كان غيابك يضاعف ألمي. أشعر بنار تأكل قلبي ، قلت لهن. كنا نمسك بايادينا، نغمض اعيننا، وكانت صديقاتي يوجهن لي حنانهن وتضرعاتهن، ليساعدنني علي تحمل ألم الأيام. كنت اطلب امارة، امارة علي انك لم تختف في العدم الي الابد، امارة علي ان روحك موجودة في مكان ما. وفجاة سمعت صوت جان : انظر لشمعتك، ايزابيل . كانت شمعتي تلتهب في المركز. نار في البطن ، اضافت جان. سننتظر. أكل اللهب الشمعة وشكل حفرة في منتصفها، لم تختف. وكما اشتعلت بلا تفسير، انطفأ اللهب بعدها بلحظات. وظلت الشمعة محفورة، لكنها منتصبة، وبدا لي أن هذه هي الامارة التي طلبتها، غمزة عين تعطيها لي من المكان الاخر : حرق موتك لن يقضي علي. بعدها راجع نيكو الشمعة ولم يستطع ان يجد سببا لهذا اللهب في المنتصف : ربما كان بها عيب، كان بها فتيلة اخري نتج عنها قفز شرارة. لماذا تريدين تفسيرا يا امي ؟ إن ما يهم في هذه الحالة هو الفرصة. لقد تلقيت الامارة التي طلبتها، وهذا يكفي ، قال نيكو، ليتركني مسرورة، اظن ذلك، لأنه مع شكوكه الصحية، لا اعتقد انه يؤمن بالمعجزات. شرحت لي فو أننا كنا نشعل بخورا لأن الدخان يرتفع مثل أرواحنا، وضوء الشموع يمثل الحكمة، الوضوح، الحياة : أما الزهور فتمثل الجمال والاستمرار، لأنهاتموت وتترك بذورا لزهور اخري. كما تبقي بذورنا في أحفادنا. كل منا شارك الأخريات بمشاعر أو ذكري قالت ثيليا، اخر من تحدثت : باولا، تذكري ان لك ثلاثة أبناء أخ ويجب ان تعتني بهن، انظري فقد يصيبهم المرض الكبدي. وتذكري اشعال شمعة حتي تتمتع سابرينا بحياة طويلة وسعيدة. وتذكري أن ارنيستو يحتاج شخصا أخر، وبالتالي تحمسي وابحثي له عن عروسة . امبراطورية الرعب يوم الثلاثاء الحادي عشر من سبتمبر دق الهاتف صباحا مبكرا. كانت أمي، تهاتفني من تشيلي، يغلفها الرعب من الخبر الذي مازلنا نجهله، لأن فرق التوقيت بين كاليفورنيا حيث أعيش والشاطيء الاخر للبلد ثلاث ساعات مبكرا، وكنت قد نهضت من السرير. عند سماع صوتها، فكٌرت أنها تحدثني عن الذكري السنوية للثورية العسكرية التشيلية، وهي أيضا اعتداء ارهابي ضد الديمقراطية، نتذكره كل عام كألم : الثلاثاء، 11 سبتمبر 1973. أشعلنا التليفزيون ورأينا مرة وآلاف المرات نفس صور الطائرات تفجر برجي مركز التجارة العالمي، وهو ما ذكرني بقصف العسكريين ضد قصر لا مونيدا التشيلي، حيث مات في نفس اليوم الرئيس سلفادور الليندي. هرولنا صوب البنك لنسحب اموالا فورية لنتزود بالماء والغذاء و البنزين. ألغوا رحلات الطيران، وبقي آلاف من المسافرين محجوزين، امتلأت الفنادق وتحتم عليهم أن يضعوا أسرٌة في الممرات. في أيام البرجين كان يجب ان ارحل في جولة بكتبي باوربا، لكن فرض علي ان ألغي سفري. كانت الشبكات التليفونية مشغولة لدرجة أن لوري لم يستطع الإتصال بأبويه خلال يومين ولا أنا استطعت الاتصال بأهلي في تشيلي. انتقل لوري ونيكو الي بيتنا مع الأطفال، الذين كانوا معهم هذا الإسبوع ولم يذهبوا للمدرسة لأن الدراسة قد توقفت. معا كنا نشعر أكثر بالأمن. خلال أيام، لم يستطع أحد العودة إلي عمله في مانهاتن. كان يطفو في السماء سحابة من التراب وكان يهرب من المواسير المكسورة غازات سامة. وعندما كان يسود التشويش، جاءتنا اخبار عن جاسون. حكي لنا أن الأحوال في نيويورك بدأت تتحسن رويدا رويدا. سار ليلا ناحية منطقة الكارثة بمجرفة وخوذة ليساعد فرق الإنقاذ، الذين كانوا قد انهكوا. مر بجانب عشرات من المتطوعين العائدين من ساعات عملهم الطويلة وجاءوا للأطلال بخرق بيضاء ملفوفة علي رقابهم، تكريما للضحايا المحتجزين داخل البرجين، والذين أشاروا بالمناديل من النوافذ وداعا وداعا. كان يلاحظ من بعد الدخان الخارج من الأطلال. وسكان نيويورك يشعرون بالضربة القوية. تصرخ صفارات الانذار، وتهرول عربات الاسعاف فارغة، فلم يبق احد علي قيد الحياة، بينما عشرات من الكاميرات التليفزيونية تصطف بالقرب من المنطقة المنكوبة بأيد القاصفين. سبق هذه الهجمة هجمة اخري، لكن لم يتحدث احد بجدية في ترك المدينة : فنيويورك لم تفقد طابعها الطموح القوي والمدعي الرؤية. عندما وصل لمكان الكارثة، قابل جاسون متطوعين كثيرين مثله : فكان لكل ضحية مختفي بين الانقاض عدة اشخاص مستعدين للبحث عنه. وكلما مرت سيارة نقل تحمل عمال، كانت الحشود تلقي عليهم التحية بصرخات حماسية. متطوعون اخرون جاءوا بماء وطعام. وفي مكان البرجين الشامخين، صارت حفرة سوداء منبعث منها دخان. هذا يشبه الكابوس ، قال جاسون. وسريعا ما بدأ قصف افغانستان. كانت الصواريخ تمطر علي الجبال التي يختبيء فيها حفنة من الارهابيين الذين لا يريد احد مواجهتهم وجها لوجه، فامتلأ العالم ضجيجا. في اثناء ذلك، دخل الشتاء وبدأ الموت من البرد يصيب الأطفال والنساء في حقول اللاجئين، وهي اضرار جانبية. في هذا الوقت أصيب الناس في الولايات المتحدة بالبارانويا، أصبحوا يفتحون البريد بالقفازات والأقنعة فربما كان هناك فيروس الجدري او الجمرة الخبيثة، او اسلحة دمار شامل. ولأن العدوي قد اصابتني من الآخرين، خرجت للحصول علي سايبر، وهو مضاد حيوي شديد الفعالية يستطيع ان ينقذ أحفادي في حالة الحرب البيولوجية، لكن نيكو قال لي إن اعطينا هذا القرص للأطفال من الاعراض الاولي للبرد، فلن يكون فعالا لو جاء مرضا حقيقيا. كان مثل قتل الذباب بطلقة مدفع. إهدئي يا أمي، لا يمكن ان نتوخي الوقاية في كل شيء ، قال لي. حينها تذكرتك، باولا، تذكرت الثورة العسكرية بتشيلي وتذكرت لحظات عجز اخري في حياتي. ليس لي سيطرة علي الأحداث الأساسية، تلك التي تحددها سنة الحياة، لذلك فمن الأفضل ان استرخي. إن التاريخ الجماعي جعلني انسي الدرس القاسي خلال عدة اسابيع، لكن تعلق نيكو أعادني إلي الواقع.

ابراهيم أصلان

العجوز والصرافة الشابة الإثنين 21 مايو الاهرام المصرية إبراهيم أصلان
الكاتب‏(‏ خوان خوسيه مياس‏)‏ أحد أبرز الكتاب الأسبان المعاصرين‏.‏ له مجموعة من الروايات والقصص القصيرة التي ابتدع لها شكلا يراوح بين القصة والمقالة‏,‏ وهو عندما بدأت الحرب الاسرائيلية علي لبنان كتب مقالا يختزل الحرب كلها في شخصية مانيكان كانت ترتدي فستان عرسها عندما قطعت إحدي القنابل رأسها وفصلتها عن جسمها‏,‏ وراح يقول إن هذه المانيكان التي كانت تهرب‏,‏ قبل المعركة من شارع إلي آخر‏:‏ لم تعد بحاجة إلي وجه لكي يعبر عن مدي الرعب الذي ينتابه‏,‏ فبالرغم من أنه وجه بلا عينين إلا أننا نستطيع أن نري الخوف في حدقتين‏,‏ وبالرغم من أنه بلا فم‏,‏ فإنه يحمل إنذارا مرسوما فوق شفتين‏,‏ واليدان المقطوعتان تطيران أمامه مثل عصفورين مذعورين من الصراخ الخارج من حنجرة ذبيحة‏..‏ هذا الكاتب‏,‏ صدرت له مؤخرا واحدة من أحدث رواياته بعنوان‏(‏ لاورا وخوليو‏)‏ نقلها إلي العربية أحمد عبداللطيف‏,‏ وصدرت عن قطاع الثقافة بمؤسسة أخبار اليوم‏,‏ وهي رواية شديدة الغني والتكثيف وتقوم بشكل أساسي‏,‏ ربما‏,‏ علي الثالوث الشائع‏:‏ الزوج والزوجة والصديق وهي تفعل ذلك علي نحو غير مطروق‏,‏ والزوج‏(‏ خوليو‏)‏ يعمل مهندسا للديكور وعلي هذا فهو مكلف بإعداد ديكور فيلم يتم إعداده داخل نص الرواية‏,‏ هذا الفيلم‏,‏ وليس الرواية‏,‏ وهو ما أريد أن أحدثك عنه الآن‏.‏ الفيلم يتناول علاقة تنشأ بين صرافة شابة تعمل في سوبر ماركت وبين سيدة عجوز لها جسد كالعصفور‏.‏ إنها تشتري كل يوم رغيف خبز وعلبتي زبادي‏,‏ وساعة الدفع كانت تختار أن تقف في الصف الذي يؤدي لهذه الصرافة الشابة‏.‏ وسرعان ما نشأت بينهما حالة من الود والصداقة الصامتة‏,‏ وذات يوم‏,‏ وبعد أن وضعت العجوز ما اشترته في حقيبتها‏,‏ سلمت للشابة مظروفا ما إن فتحته حتي وجدت به مفاتيح بيت العجوز‏,‏ كما وجدت ورقة كتبت فيها تقول‏,‏ فضلا عن عنوان بيتها القريب‏:‏ إذا لم آت ذات يوم لشراء احتياجاتي فالسبب سيكون وفاتي‏,‏ وفي هذا اليوم أدخلي بيتي‏,‏ خذي كل ما يعجبك كذكري‏,‏ وبعد ذلك بلغي الشرطة ليدفنوني كما ينبغي‏,‏ قبل أن يتعفن جسدي‏.‏ ومرت الأيام والعجوز تظهر في موعدها‏.‏ لقد توطدت علاقتهما‏.‏ وبينما الصرافة الشابة تضع المشتريات علي جهاز كشف السعر‏,‏ كانا يتحدثان عن الحياة والصحة والزمن‏.‏ وكانت العجوز تشتري كل يوم أقل من سابقه‏,‏ كأن صحتها تسوء مثلا أو احتياجاتها تقل‏,‏ من دون أن تشيرا أبدا إلي الاتفاق الذي تم بينهما‏.‏ أخيرا‏,‏ اختفت العجوز‏.‏ وأنهت الصرافة الشابة ورديتها الأولي والثانية وأغلق السوبر ماركت أبوابه والعجوز مازالت مختفية‏.‏ حينئذ توجهت إلي منزلها القريب‏,‏ ودقت الجرس عدة مرت من دون جدوي‏,‏ حينئذ فتحت الباب بالمفتاح الذي تحمله‏,‏ ودخلت‏.‏كانت العجوز ميتة فوق كنبة الصالون‏.‏ وكان التليفزيون مشتعلا‏.‏ بعد لحظات الحيرة الأولي تجولت في الشقة وقلبت الأدراج حتي عثرت داخل أحد الدواليب علي حافظة كبيرة من الجلد ممتلئة بالمال‏,‏ لقد كان المبلغ أكبر مما تستطيع أن تتخيل‏.‏ وعندما حملت الحافظة تحت إبطها وهمت بالخروج خيل إليها أن العجوز تتنفس‏,‏ وعندما لمست كتفها برعب‏,‏ عادت العجوز لسكونها‏,‏ حينئذ خرجت بالمال‏,‏ لكنها لم تبلغ الشرطة‏.‏ سيبلغها أحد الجيران عندما تفوح الرائحة في السلم‏.‏ هكذا فكرت‏.‏ لقد انتصر الجشع والحاجة علي ما هو إنساني‏,‏ حتي لو لم تكن العجوز قد ماتت فهي علي وشك ملاقاة أجلها‏,‏ بالإضافة إلي ذلك هي في حال من السكينة ولا تعاني‏.‏ خلال الأيام التالية كانت اشترت شقة هائلة‏,‏ بينما راحت تعاني من صراع بين تأنيب ضميرها ومتعتها بالمال‏.‏ أسبوع وراء آخر‏.‏ فجأة رأت العجوز تدفع عربتها في السوبر ماركت‏,‏ تشتري ما اعتادت شراءه من أكل يشبه أكل العصافير‏.‏ وهي‏,‏ بعدما فعلت‏,‏ اتجهت إلي صف آخر‏,‏ غير الصف الذي يؤدي بها الي الصرافة الشابة‏.‏

الثلاثاء، يونيو 10، 2008

خوان مياس

الروائي الإسباني الشهير خوان مياس يكتب :
الطبخة الأمريكية في العراق فاسدة!
ترجمة: أحمد عبداللطيف
-->لو اطلع أهل العراق علي تعليقات الغرب حول هزيمة بوش في الإنتخابات الأمريكية الأخيرة ، لشعروا بقشعريرة تسري باجسادهم العاجزة . فرؤساء التحرير المعتدلون ، في هذه البقعة من الارض ، يؤكدون بنواياهم الحسنة ان إنتصار الديمقراطيين يشكل نقدا للأخطاء التي إرتكبت في العراق. أكرر الأخطاء التي ارتكبت في العراق. وان التشكيل الجديد سيفرض بالطبع تغيير هذه السياسة . هذه السياسة التي رضي بها الديمقراطيون من قبل ، تستفز الأن أخلاقياتهم ! فالوطنية أثناء الغزو كانت تعني التصفيق لبوش .أكد رؤساء التحرير ان الأمريكيين بانتخابهم هذا عبروا عن مدي حنقهم . نعم حنقهم من الاخطاء المرتكبة في هذه الأرض البعيدة!تلك الأخطاء أو الزلل التي تترجم بقتل عشرات الالاف من المدنيين من النساء والاطفال والمشاه العابرين . تترجم بعشرات الالاف من المشوهين الذين فقدوا سيقانهم أو أيديهم أو اعينهم أو أذرعهم أو أذانهم. بهذا العدد الذي لا حصر له من النازحين من اراضيهم ، و بالأقتصاد الذي تدمر كلية ، و بالبلد الذي صار رمادا ، وبالمتاحف التي نهبت ، والمساجد التي اقتحمت ، والمكتبات التي قصفت ، والمراكز التي أنشئت للتعذيب ، والسجون السرية ، و الإختطافات التي احلت ... و لتتبيل الطبخة تحول العراق إلي مسرح مفضل لكل المنظمات الإرهابية من كل انحاء العالم . و تقولون إنها أخطاء ؟! وبمناسبة الأخطاء الفنية ، نتذكر اغتيال الجيش الاسرائيلي منذ عدة اسابيع لسبعة عشر مدنيا فلسطينيا ، جميعهم من الاطفال الصغار و النساء. وسمعت احد ضحايا الخطأ يقول : قام ابن عمي بجمع أجزاء جسد ابني في كيس بلاستيك .تخيلت حينئذ الكيس البلاستيك الشفاف الذي يستعمله الاوربيون ليضعوا فيه الكولونيا و مزيلات العرق كاجراء امني قبل ان يصعدواالطائرات ! . داخل الكيس البلاستيك الفلسطيني كانت توجد اشياء اخري ، اسنان ،اجزاء من جمجمة ، وربما جزء من الكبد ،وجزء اخر من الامعاء ...كل هذا كان خطأ فنيا ! ، كما قالت الحكومة الاسرائيلية معتذرة .لقد اكد اثنار يوم غزو العراق ان فوائد هذا الغزو ستعم المنطقة باسرها، وانه سيقضي علي الصراع الفلسطيني الاسرائيلي . لكن الحقيقة ان الغزو لم يقض علي شيء ، فايدي الاغتيال تطول الفلسطينيين مع سبق الاصرارو الترصد .هذا الاصرار الذي يمتد علي وجه الخصوص للنساء ثم للناس اجمعين .وبينما يحدث هذا في غزة ، نجد اثنار يتنزه في العالم متعاجبا بشعره ، ويبصق من فمه كلمات بلهاء ، حماقات .لقد تحول شعر اثنار من الشعر الممشط علي الطريقة الرجعية ، الي الشعر الاشعث الليبرالي الجديد . و كلما مرر اصابعه الخمسه بشعره ، كلما تفجر جسد خمسة مدنيين عراقيين ( او فلسطينيين )الي اجزاء صغيرة . وكلها أخطاء !.إن نتائج الانتخابات الامريكية ، طبقا للمحللين ، ستغير وجهة النظر في القضية العراقية .فالحديث يدور حول العراق كما لو كان طبخة لم تخرج شهية .لكنهم حتي الان لم يتفقوا علي سبب فساد الطبخة ، هل ينقصها ملح ام فلفل اسود ؟ فبوش يري انها ناقصة سوي ! فربما قصف اقل مما يجب ، و ربما عذب بيد مرتبكة ،و ربما كانت السجون السرية قليلة ، وكذلك حوادث الاختطاف و الشك بالابر و البانيوهات الممتلئة بالبول و التي كان يضع فيها رءوس كل هؤلاء الكفرة ، طبقا لفهمهم .اي عنصرية اشنع من هذا الذي يعتقد ان موت الفرد الاسود ارحم من موت الفرد الابيض ؟!فلو ارتكب المحللون السياسيون التقدميون و رؤساء التحرير اللامعونو المؤرخون الحاذقون هذا النوع من العنصرية ، فنحن لا نريد تعريض موقف هؤلاء الاشخاص المظلومين للخطر بدون ان نبدي رأيا سديدا .عادة ما يتطرق الي اذاننا كلمات مثل خطأ فني ، مشكلة ، زلة... فكل ابن ادم خطاء ، نخطيء عندما نغزو ، عندما نغتال ، عندما نعذب ونخطف وننتهك الاعراض.نخطيء ، نعم ، لأننا بشر . لكن الخطأ هنا فادح ،القضاء علي حياة الضعفاء ، و ترك من لا يساوون قرشين ! إذن ، فأنا من هنا اقول للمحللين المعتدلين ، ولرؤساء التحرير الارقاء ، وللمؤرخين الموضوعيين ، عليكم اللعنة ! فلا يمكن ابدا أن ننعت القتل بالخطأ الفني ، أيها الرجال . إلي هؤلاء الذين يتساءلون عن كيفية إنسحاب الجنود الأمريكان من العراق في هذا الوضع ، اقول لكم الإجابة الوحيدة ببساطة :انسحبوا واحدا وراء الاخر ، وبايادي مرفوعة ... أتفقنا !!!!!!!!!!
أخبار الأدب

كارلوس ثافون

5/31/2006 شرق وغرب تركيبة سحرية من ماركيز وإيكو وبورخيس لتصبح أكثر الكتب انتشارا في إسبانيا: ظل الريح ...مقبرة الكتب المنسية
أحمد عبد اللطيف
-->لم يكن احد يتوقع أن يحقق كارلوس رويث ثافون ( برشلونة 1962 ) نجاحا في عالم الرواية يفوق نجاحه في كتابة أدب الأطفال ، لكن حدثت المفاجأة ، وصار ثافون في غمضة عين واحدا من أكثر الكجتاب مبيعا في العالم ، بل و تفوق في ذلك علي روائيين ظلوا دائما في الصدارة أمثال ساراماجو و ماركيز و يوسا ، وأعلنت صفحات النقد في الصحف العالمية ميلاد كاتب استثنائي بدأ في سحب السجادة من تحت أقدام راسخة لكتاب كبار ، لكن هذا لا يعني خطف الاضواء منهم ، بل منافستهم عليها ، ووضع بصمته الروائية بجانبهم ، كما يعني نجاح أدب الشباب في اسبانيا . تحقق هذا النجاح بفضل روايته الشهيرة ظل الريح التي ترجمت لأربعين لغة وباعت 8 ملايين نسخة حتي الآن ، وستلحق بها روايته الجديدة لعبة الملاك . ظل الريح ظاهرة أدبية عالمية ، يطرق فيها الكاتب عالما غريبا لم يطرق من قبل . تبدأ الرواية عند فجر سنة 1945 ، عندما اصطحب الأب ابنه البطل ، إلي مكان غامض ومختبيء في منطقة العاصمة القديمة ، هذا المكان هو مقبرة الكتب المنسية ، وهناك يجد الطفل كتابا ملعونا يغير فيما بعد قبلة حياته ويدخله في متاهة من المؤامرات و الأسرار المدفونة في روح المدينة الغامضة . عالم الرواية يشبه عوالم ألف ليلة و ليلة ، لغز أدبي يدور في برشلونة النصف الأول من القرن الماضي ، من اوله إلي نهاية الحرب الأهلية الاسبانية . وتعتمد الرواية بشكل كبير علي تقنية القصة اللغز ، و الرواية التاريخية ، وكوميديا العادات ، لكنها أيضا مأساة حب تاريخية يلاحظ صداها عبر الزمن ، يضفرها المؤلف ببراعة لتصير لغزا ينتهي مع الصفحة الأخيرة .قالت عنها جريدة صنداي تايمز هي رواية تتضافر فيها الحبكة المبهرة مع الكتابة السامية . وقالت عنها لي فيجارو هي كتاب العام . رواية لا يمكن مقاومتها . ، وقالت نيويورك تايمز عن ثافون : هو تركيبة سحرية من ماركيز و أومبيرتو ايكو و بورخيس . أما الجرائد الاسبانية فأعلنت مولد ظاهرة أدبية شعبية ، وأكدت عدم القدرة علي النوم قبل الانتهاء منها . ولتكتمل شهرتها حازت علي العديد من الجوائز في اسبانيا و فرنسا و أمريكا وانجلترا و كندا و بلجيكا .

جديد

«حصن التراب»: من ضيق الميلودراما إلى رحابة التاريخ

إبراهبيم عادل زيد   يعّرف «أحمد عبد اللطيف» روايته الجديدة «حصن التراب» بأنها (حكاية عائلة موريسكية). ولأول وهلة قد يبدو الحديث ...