الجمعة، يونيو 26، 2009

حوار مع يوسا

ماريو بارجاس يوسا : الآخر الذي لا نعرفه.
" دائما ما نستكين أمام المرأة " ترجمة : أحمد عبداللطيف
يوسا ، اكبر كُتّاب بيرو ، وأحد أهم كُتّاب أمريكا اللاتينية ، وكُتّاب العالم علي الإطلاق . هو المرشح الدائم لجائزة نوبل ، والصديق اللدود لماركيز . أهم أعمال " شيطنات الطفلة الخبيثة " " حفلة التيس " " حوار في الكاتدرائية " الخ . هذه المقابلة التي تمت منذ اكثر من عشرين عاما ، تبين مدي الفكاهة التي يتمتع بها يوسا وتكشف لنا حقيقة النوع الذي يثير خياله : الانثي . بالإضافة لحديثه عن اريكيتيبا ، مسقط رأسه ، وعن زوجته و اولاده و عن اللكمة الشهيرة التي سددها لجارثيا ماركيز. س: اي بيرواني يقرأ اي عمل لك سريعا ما يدرك اهميتك ، و حول الشخصيات المهمة تثار الاقاويل، فهم يقولون عنك مثلا انك في شبابك عندما كنت تعيش في باريس كنت تعمل كالنملة وكنت ترتدي البدلة والكرافت ، علي عكس الشباب البيرواني الذي كان يتمتع بحياة بوهيمية غير منظمة. هل كنت دائما شخصا رسميا ؟
ج : حسنا ، دائما ما كان اصدقائي يسخرون مني لارتدائي البدلة و الكرافت ايام السبت .اتذكر انني في معسكر لينو برادو كنت اخرج في نهاية الاسبوع بملابس مدنية و كنت أهوي الكرافت ، فدائما ما كنت رسميا في هذا الجانب . و من ناحية اخري كنت أعمل بجد ، هذه حقيقة ، و السبب بسيط جدا وهو أنني لا أستطيع أن أكتب بشكل أخر.فأنا لست من هذا النوع من الكتاب الذين يتمتعون بومضة إلهام تسمح لهم بالكتابة ساعات قليلة يوميا تحت وطأة هذا الضوء.أنا اعتقد أن الإلهام ، إذا وجد شيء بهذا الإسم ، فهو شيء ناتج فقط عن مجهود مبذول ، فكتبي التي نشرتها هي نتاج نظام صارم فرضته علي نفسي . س : من المعروف أن العمل الفني هو نتاج مشاعر جياشة ، لكنك ربما تكتب لأن "الدجاحة التي لا تبيض لا فائدة منها " ؟
ج : (يضحك ) إن هذا المثل يعبر جيدا عما يعني بالنسبة لي "الميول " فالميول كالإدمان . فالكتابة بالنسبة لي ليست وظيفة ، حسنا هي وظيفة من حيث اني أتكسب منها ، لكن حتي ولو لم يكن الأمر كذلك ، سأظل أكتب ايضا صباحا و ظهرا و مساءا، فأنا في حاجة إلي الكتابة لأتفاعل مع الحياة ، فالكتابة تعطيني التوازن ، وهي بالنسبة لي إحتياج ، ليس فقط فسيولوجي ، و إنما نفسي ايضا . س : إذن يمكن القول أن الكتابة هي رياضتك المفضلة ، أم ان لك رياضة اخري ؟
ج: نعم ، أحب رياضة الجري ، و دائما ما أحببت الرياضة لكنني لم أتفوق فيها ، ربما حققت شيئا في السباحة.
س : وعندما تجري ، هل يتعرف عليك الناس ؟
ج : نعم هذا ما يحدث لي هنا في بيرو : افقد حقوق المؤلف !. عندما كنت شابا ، كنت مجاملا بشكل ما ، لكن هذا تحول اليوم الي عقوبة . إن الشهرة شيء فظيع ، فأنت هدف للمراقبة ، و تفقد كلية خصوصياتك ، وهذا شيء غاية في الخطورة ، خاصة بالنسبة لي حيث اقضي وقتا كبيرا في الشارع ، فأنا يستهويني الخروج و الفرجة و الانصات ،و لأقوم بكل هذا لابد ان اكون مجهولا. س : بالنسبة لأعمالك ، لماذا لم تكتب ابدا عن اريكيبا ، قريتك ، اللهم إلا اشياء طفيفة في رواية "حوار داخل الكاتدرائية " و مع ذلك كنت كثير الكتابة عن بيورا و الغابة و حتي عن حي ميرافلوريس ؟
ج: لأنني و برغم حبي العميق لقريتي حيث ولدت عائلتي الا انني لم اعش بها تقريبا وكنت اذهب اليها زائرا ولي فيها بعض الذكريات العائلية فهي مكان تخيلته اكثر مما عشت فيه ، حيث انهم اخرجوني منه و انا صغير. س :اذن يكذب من يقول انك من داخلك ترفض ان يقولوا عنك انك قروي ؟
ج:انا فخور جدا باصولي سواء كانت قروية ام لا ، كما انني اقضي حياتي اكتب عن القرية . ولقد وجدت انت عملا عن بيورا و انا الان اكتب رواية تجري في ماتشيجينجاس وهي قرية اصغر من بيورا و اريكيبا. س: ماذا تفعل لو وجدت امرأة جميلة و جذابة و حاولت غوايتك ؟ اعتقد ان الفرصة قد اتيحت لك كثيرا ، أم انك تتجنب ذلك ؟
ج :اتجنبها قدر المستطاع ، فانت تعرف ان الرجل ضعيف ودائما ما يستكين امام المرأة. لكنني الاحظ انك تاخذني لطريق محفوف بالمخاطر، فانت تعرف زوجتي وتعرف أنها إمرأة قوية الشخصية وصارمة و انت بهذا تسبب لي مشكلة ، و أنا حقيقة اخاف منها . س : أتمني ان تجيبني علي هذا السؤال :ألا تشعر بالرضا عندما تسمع المرشحات في مسابقات ملكة جمال العالم يقولن أنهن يعرفن إعداد التورطة بالشكولاته ويردن أن يكن مضيفات بارعات و انهن يقرأن لماريو بارجاس يوسا ؟
ج : ( يضحك ) أنظر ،إذا كان هذا الأمر صدقا و لا يقولن ذلك لان يوسا هو الإسم الأقرب لأذهانهن ،لتواجده بالجرائد، إذن فأنا لا أشعر فقط بالرضا و إنما ايضا بغاية السعادة . فكون الفتاة جميلة لا يعفيها من التمتع بشيء من رهافة الحس ، و لو كانت جميلة وقارئة فهذا افضل بكثير . س : انت ادري بهذه الأشياء مني ،فأنا أعرف انك كنت أحد المحلفين في إحدي مسابقات الجمال !
ج : نعم ، في إحدي مسابقات ملكة جمال العالم كنت محلفا ،حيث وضعني خينارو ديلجا في هذه المغامرة . لقد أخذت الموضوع علي محمل الهزل، إعتقادا مني أنها تجربة مسلية ، لكن الحقيقة أنه عمل شاق . س : ستتم في هذا العام عامك الخمسين ، أليس كذلك ؟
ج : ( مقاطعا ) نعم ، لكنني لا أعتبر نفسي عجوزا، فكما يقول بيدرو كاماتشو في " خالتي خوليا و الكاتب التافه " : لقد وصلت لزهرة حياتي .لكنني الاحظ حركة السنين في شيء يضايقني كثيرا ، هو كم الأشياء التي اريد إنجازها ، و أنتبه الأن أنني لن لأستطيع الإنتهاء منها ، فمثلا أعرف أنني لن أستطيع أن اكتب كل الروايات التي أود كتابتها، فلديي مشاريع كثيرة و موضوعات غزيرة ، اكثر بكثير من السنوات القادمة التي اعيشها .لقد تحول هذا الأمر إلي ينبوع للضيق ، فالكاتب يحتاج لوقت ، لأن الكتابة عملية لا تتم سريعا، ربما لهذا السبب أصبحت ضيق الصدر وغير متسامح في بعض الاشياء ، فعلي سبيل المثال عندما أقرأ كتابا لا يعجبني أتوقف عن قراءته فورا قبل أن أنهيه، و لم أكن أفعل ذلك أبدا من قبل . س : لكن أن يعرف الكاتب ان قراءه لا ينتهون من قراءة كتبه، هذا شيء فظيع. لو حدث هذا معك ، هل سينتابك بعض الشعور بالفشل؟
ج : بعض الإحساس لا ، و إنما الإحساس التام بالفشل، فأنا اعتقد أن من واجبات الرواية أن تجذب القاريء وتمنعه أن يغلق الكتاب، و أنا عندما اكتب رواياتي أحاول تحقيق هذا المبدأ ، لكني علي يقين انني لا انجح دائما في ذلك. س : عندما تقول انك لن تستطيع الإنتهاء من كل مشاريعك الإبداعية وكتابة كل الموضوعات التي تدور في ذهنك، ربما يسليك بعض الشيء أن أحد أولادك سيمسك بعدك باللجام ، أم انه ليس لأحدهم ميولا ادبية؟
ج: ابني الاكبر كان له هذه الميول ، لكنه انشغل أكثر بالأمور السياسية و الإجتماعية والإقتصادية ،و الأن يهتم بالتاريخ و السياسة أكثر من إهتمامه بالأدب أما ابني الثاني فسيلتحق بالجامعة ليدرس العلوم الإنسانية ويتخصص في اللغة الفرنسية و الإسبانية ، وهو نوع من الدراسة المرتبط بالأدب.. أما ابنتي مرجانة، فلا اعرف لها شيئا حتي الأن ، فمازالت صغيرة ولا المح فيها أي ميول . كما أنني لا اعرف إن كنت احب أن يمتد العرق الأدبي لأبنائي أم لا ، لكن لو إمتد لهم سأساعدهم قدر المستطاع ، لكنني ربما أفضل أن تكون لهم قبلة أخري أكثر إستقرارا وأقل إخفاقا من الإبداع الفني ،لكنني مع أبنائي احاول دائما ألا اكون ابا متسلطا ، أحاول ان اساعدهم بطريقة ما ليتمكنوا من إختيار مصائرهم بانفسهم ويحققوا ما يريدوه هم لأنفسهم ، بدون اي تأثير قاطع مني، ففي إختيار الوظيفة و الميول لا أتدخل، ظنا مني أن أسوا ما يفعله الأباء بابناءهم هو تدخلهم هذا . انا رجل احترم جدا الأخرين و احاول الا افرض عليهم طريقة تفكيري وكينونتي . س : أنا لا استطيع ان أحجب سؤالا يدور في ذهني و اعتقد انك ستفهمني ، سؤالي يتعلق بالمنافسة الظاهرة بينك و بين ماركيز ، هل هي منافسة ناتجة عن الخلاف الإيديولوجي أم هي ناتجة عن اللكمة الشهيرة التي سددتها له قبل سنوات ؟
ج :بيننا لا توجد أية منافسة ،فانا لا أحترم فقط اعمال ماركيز وإنما ايضا أعجب بها، ولقد كتبت كتابا عن كتابه ذات الستمائة صفحة وظللت اعمل به لمدة سنتين ، و اعتقد أن إعجابي به و إحترامي له غير قابل للنقاش.أما الخلا ف فهو موجود ، ومنبعه مواقفه السياسية التي أرفضها ، لكن هذا لا يؤثر علي رؤيتي له ككاتب ومفكر و إعجابي بإنتاجه.وإذا كان بيننا خلاف عميق علي المستوي السياسي فمن التحضر مواجهته ، أليس كذلك ؟ إنه نوع من الحوار سيفيد أيضا قراءنا . اما بالنسبة للمنافسة فلا مجال للكلام في هذا الشأن ، فالمتحدثون فيه يتمتعون بعقول متأخرة أو هم كمن يبحث في القطه عن ثلاثة ارجل و هو يعلم أنها من ذوي الاربع س : إذن اليس موضوع اللكمة حقيقة ؟ ج: كان خلافا شخصيا ، ولا اود فتحه لكيلا أفتح مجالا للنميمة س : هل قرأت عمله الأخير " الحب في زمن الكوليرا " ج : لم أقرأه بعد ، فالكتاب يتنقل بين افراد أسرتي من يد إلي يد ،وقرأته زوجتي و أولادي ، وأنا في إنتظار دوري س: و ما رأي أسرتك فيه ؟ ج : هناك الكثير من التعليقات ، بعضهم شديد الحماس له ، وبعضهم أقل حماسا ، لكنني لن اقول من قال ماذا حتي لا اوشي بهم! س: هل انت راض عن كل كتبت حتي الان؟ ج : اعتقد ان الكاتب الذي يشعر بالرضا عن كل ما كتب كاتب مغرور جدا .لقد فعلت اشياءا كثيرة اردت فعلها ، لكني علي يقين أنني كان من الممكن ان افعل خيرا مما فعلت .لا ، لا اشعر بالرضا كلية ن وإلا سأكون ساذجا. .

جديد

«حصن التراب»: من ضيق الميلودراما إلى رحابة التاريخ

إبراهبيم عادل زيد   يعّرف «أحمد عبد اللطيف» روايته الجديدة «حصن التراب» بأنها (حكاية عائلة موريسكية). ولأول وهلة قد يبدو الحديث ...