السبت، ديسمبر 31، 2011


أحمد عبد اللطيف
عالم المندل

مقطع من رواية، تصدر عن دار "العين" في القاهرة      


غلاف الرواية - أحمد عبد اللطيف


رأيت في المنام أن لي عضواً ذكرياً، فانتفضتُ من حلمي صارخة وأهلوّس بكلمات وعبارات لا أذكرها وربما لم يسمعها أحد. هي المرة الأولى التي أرى فيها حلماً شبيهاً رغم أني أحلم وأتذكر مناماتي بشكل شبه مستمر. كنتُ عارية تماماً أمام مرآتي أتأمل وجهي بكثير من التفحص بحثاً عن بثور لم أعثر عليها وعن هالات سوداء تقتل بريق عينيّ على الدوام فتمنحني سنوات عمر لم أصل إليها بعد. حينها كانت عيناي تقولان شيئاً لم ألتقطه في حلمي رغم تركيزي فيهما أكثر من المعتاد ومررت يدي اليمنى فوق حاجبيّ وقررتُ أنهما في حاجة إلى تزجيج وخطر ببالي وقتها أن أنتف شعر وجهي لأول مرة في حياتي ولأواظب على ذلك دوماً إن منحني شيئاً من الجمال أما أنفي فليس له حل سوى عملية تجميل لن أخضع لها أبداً مهما كانت الظروف فلا ثقة لي في الأطباء ولو كنت أتمتع بقليل من الثقة فيهم لأجريت عملية ضرورية في ظهري. قُلتُ ذلك وأنا أتحسس أنفي بيد واليد الأخرى تتجول بجسدي وتقبض على نهدَي وتمر بخصري متجهةً نحو ما بين فخذيّ فأجد شيئاً صلباً لا يجب أن يكون هناك فأنا امرأة ودوماً كنتُ امرأة فأتردد قليلاً قبل أن أنظر إليه وأفضّل بعد ثوان أن أراه أولاً في المرآة فربما إن قالت الصدق فاحتمالية الكذب كبيرة وإن قالت الكذب فلا داعي للانشغال؟ رأيت في المرآة عضواً ذكرياً منتصباً بين يدي فنظرتُ إليه في الحقيقة مصدومة ومشدوهة ومذهولة ومصعوقة وأطلقت صرخة مستيقظةً من نومي مرددة عبارات أغلب الظن لا معنى لها.

حدث كل ذلك أمام مرآة الحمام التي عادة ما أستخدمها لأتعرف بنفسي على عيوب جسمي فأحاول مداراتها قدر الإمكان بينما كانت الأصوات من الخارج تأتيني متقاطعة، أصوات نساء عالية وصاخبة لا يتوقفن لحظة عن الكلام كما لو كن في مبارزة بالألسن (أكبر آفات النساء وأنا منهن اعتبار الصمت نقيصة) كان يعلو فوق صوتهن بالإضافة لصوت الكاسيت إطلاق زغرودة كل دقيقة تقريباً تعلن عن مجيء امرأة جديدة تنضم إلى الجلسة بعد أن تبارك وتقبّل الجالسات، لم يكن كل ذلك يهمني في شيء (أنا أكذب، كان يهمني بالطبع وبشكل لا يعرفه إلا من أقبلت على الثالثة الثلاثين بلا زواج بلا خطبة بلا متوددين في وسط مدينة ليس لها سوى عينان تنظران ولسان كما السوط)  كل ذلك كان يبهجني، نعم يعطيني شعوراً بالانتصار وبالسخرية من تلك النسوة اللاتي جئن الآن ليباركن وبالأمس كانت كلماتهن تقطعني كما السكين وكل ذلك كان يتزامن مع وقوفي أمام مرآتي دون تناقض. كثير من العوالم كانت تتشكّل في ذهني وأنا نائمة ومع كل زغرودة كنت أتخيل المرأة القادمة، ملبسها ومشيتها ونظرتها وطريقة نطقها بكلمة مبروك وجلستها والبدء بامتداح أخلاقي والتباري في رفع صوتها لأسمعها دون أن تعرف أنني في الحمّام وكنتُ أبتسم ساخرة وأنا مشغولة في أشيائي الخاصة. وفجأة انقطعت جميع الأصوات واختفى الضجيج ليحل الصمت محله وكان صمتاً يشبه المقابر غير المسكونة في ليلة شتوية كثيرة الرياح لذا كان صمتاً مليئاً بالشوائب والصفير. بعدها سادت ظلمة أو ربما أصابني العمى إلا على رؤية قضيب يطل من بين يدي وأنا عاجزة تماماً عن التخلي عنه، عن رميه أو عن تحسسه، فصرختُ بكل قوتي دون أن يسمعني أحد وكان لون الحمّام أبيض مع أنه في الواقع بني فاتح ويتخلل بلاطاته بلاط بمبي والحوض يصل حتى خصري بالكاد على عكس الواقع حيث يتخطاه ليقف ما بين البطن والصدر تقريباً أما المرآة فكانت أكبر حجماً بشكل ملحوظ وأنا؟ كيف كنتُ؟ أظنني طويلة وبيضاء لهذا انتبهتُ بشدة لهالات عينيّ السوداء وللشعر المتناثر في بشرتي لكن حركاتي كانت بطيئة أو أن الزمن داخل الحلم كان يختلف مقياسه عن الزمن الواقعي فيدي كانت تستمر مثلاً فوق حاجبيّ تتحسسهما لعدة دقائق وتفعل  نفس الشيء مع أنفي بينما كانت عيناي تدققان في بقية وجهي زمناً مبالغاً فيه لدرجة أنني شعرتُ داخل الحلم أنني ربما أقضي ليلة زفافي أمام المرآة. سمعتهم ذات مرة يقولون إن الزمن في الحلم مهما طال ليس إلا دقائق معدودات. لا أؤمن بكل ما يقال فلو نقلنا الحلم إلى الواقع لاستغرق ساعات. الشيء الوحيد الذي كان يحدث في الحلم مطابقاً للواقع هو ما كان يجري خارج الحمّام أقصد دخول الزائرات أو المدعوات فما بين تحسس وجهي بأصابعي وإتخاذي قرار نتف الشعر سمعتُ أكثر من عشرين زغرودة وكان الضجيج يتضاعف بشكل ربما يثير الاضطراب (حتى لا أكذب مرة أخرى وأقول الغضب) يمكنني أن أقول أيضاً إن الزمن توقف بمجرد لمسي لعضوي الذكري ولم يتحرّك إلا مع صرختي التي اصطحبتْ يقظتي والتي لم يسمعها أحد وتبعتها عبارات لا أتذكرها فجلستُ على سريري واضعةً وجهي بين كفيّ أراجع تفاصيل الحلم بقلب مقبوض لا لأنه أكثر الكوابيس التي طوّقتْ رقبتي بحبل حريري بل لأنني بكل بساطة أعرف تفسيره عن يقين فكل الكوابيس التي غزت مناماتي من قبل كانت لا تخرج عن كونها قطة سوداء أو ثعبان أو شخص ما يطاردني بوجه مخيف وحكايات أمي وأنا صغيرة عن أكلة لحوم البشر التي كانت تتجسد في مناماتي لكن هذا الحلم ليس كابوساً بل علامة من العلامات التي أؤمن بها كما أن كوابيسي في نهاية الأمر يمكن عدها على أصابع اليدين بينما أحلامي تلك التي يمكن تفسيرها والتي تتضمن علامات لا يمكن تجاهلها كانت كثيرة حد الغزارة لدرجة كنت معها أحيا حياة كاملة قبل أن تتحقق فالعضو الذكرى في حالتي هذه معناه أنني لن أنجب ولداً وما سيحدث بكل بساطة أن لقب عانس الذي أحمله على كاهلي منذ سنوات سيصير أم البنات وربما بعد سنوات قليلة يتوقف عددها على مدى تسامح زوجي وفهمه لطبيعة الحياة سأكون المطلقة. حينها انتبهتُ لضجيج الصالة الذي يقتحم غرفتي بقسوة وعرفتُ لماذا لم يسمع أحد صرخاتي المتتالية وعباراتي التي لا أتذكّر منها شيئاً، صوت الكاسيت بأغانيه الرديئة التي صُنعت فقط من أجل الرقص وثرثرة النسوة اللاتي يرسمن البسمة على شفاههن بينما يحتفظن بالحقد داخل صدورهن والزغاريد التي تخرج من أفواه جافة كانت بالأمس تجرح إنسانيتي وفي الغد ستواصل عملها بلا رحمة كل ذلك لم يكن من عناصر الحلم إذن لذا كان يطابق زمنه الواقعي، واقع يقتحم خصوصية منامي فيضعني في حيرة من أمري فيتسرّب الصداع إلى رأسي وبينما أرُجَّه لتتساقط أفكاري تقع عيناي على ساعة الحائط: السابعة وخمس دقائق. فألعن نوم المغربية الذي إن طال أو قصر يتركني بصداع مزمن (صداع، ضجيج أغاني هابطة، نسوة ثرثارات، مَنْ فرض عليّ هذه الحياة؟) هاجمني وسواس لم أستطع مقاومة غوايته فرفعتُ عني غطائي برعب ورجفة وبينما أدخل يدي من تحت البنطلون ببطء بقلب يقفز من فمي من فرط نبضاته مخافة أن أجد عضواً ذكرياً دخلتْ أمي فجأة وضبطتني في هذا الوضع  فصفقتْ الباب سريعاً وأنا نزعتُ يدي من مخبئها بسرعة أكبر مثل لص فاقتربتْ مني وأنا أرتجف وقالت عبارات كثيرة وكلمات لا حصر لها لا يخرج معناها عن شكر الله أنني وجدتُ من يسترني قبل أن أتسبب لعائلتي الكريمة في فضيحة وكيف وصل بي الحال إلى ممارسة عادة سرية بغيضة وأنا من كانوا يثقون في قدسيتي ويأتون في زيارتي لتفسير أحلامهم. هي لم تتوقف عن الحديث بينما أنا أردد عبارتي الوحيدة كأنها تعويذة أطرد بها الأرواح الشريرة التي حلت بجسدها: رأيت في المنام أن لي عضواً ذكرياً وصرختُ صرخات لم يسمعها أحد ونطقتُ بعبارات لا أتذكّرها.


روائي من مصر



جديد

«حصن التراب»: من ضيق الميلودراما إلى رحابة التاريخ

إبراهبيم عادل زيد   يعّرف «أحمد عبد اللطيف» روايته الجديدة «حصن التراب» بأنها (حكاية عائلة موريسكية). ولأول وهلة قد يبدو الحديث ...