الاثنين، أبريل 23، 2012

عالم المندل ف أتيليه القاهرة

http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=23042012&id=ce142a50-09bf-4b76-9dd4-05bf0061f607

مناقشة رواية "عالم المندل" بكرة في أتيليه القاهرة
الثلاثاء 24\4\2012، الساعة 7 مساءً
يناقش العمل : الدكتورة سمية رمضان، الكاتب محمود الورداني، الكاتب الصحفي سيد محمود، ويدير الندوة الشاعرة عفاف السيد

السبت، أبريل 21، 2012

عالم المندل.. الخلاص بطرق غير معتادة


'عالم المندل': الخلاص .. بطرق غير معتادة
تامر عفيفي
2012-04-16

 
ماذا لو تحولت كل أسئلتنا واستفساراتنا وتوتراتنا إلى أحلام حقيقية .... نمارس معها في الحقيقة كل انواع التصديق والإيمان كما المرئيات؟.. ماذا لو تحولت كل خفايا حياتنا ومكنوناتنا المكبوتة إلى مشهد واضح يتراءى لنا ليكون هو عالمنا الذي لا يراه الآخرون؟ بالفعل..
كل أحلامنا كذلك... هي أسئلتنا التي لا يمكننا الإجابة عليها .. توتراتنا التي يخلقها المحيطون بنا.. أسرارنا التي لا ينبغي أن يطلع عليها الآخرون.. أفكارنا التي يحرمها المجتمع ونصير نعبث معها ونداعبها في نومنا وكأنها مجتمعنا الحقيقي .. كل هذه الأشياء بالفعل هي أحلامنا .. وكل هذه الأحلام بالفعل هي عالمنا الحقيقي الذي لا يراه الآخرون .. وإنما نراه نحن في زهد عن أن يدركه كل من هو خارج عن إطارنا .. عالمنا الخاص .. وأشباحنا التي تلازمنا في كل وقت وفي كل مكان ... لتحكي لنا غيبياتنا في أشكال مجسدة مختلفة .. تجعل كل عوالمنا تشبه في الحقيقة ' عالم المندل'..
'عالم المندل' رواية أحمد عبد اللطيف الثانية .الصادرة عن دار العين، والتي كلفته الكثير من تورط فضوله الأدبي ليخترق احد العوالم الدفينة والمخيفة.. هذا العالم الذي يمكن أن تراه في فتاة عانس في الثالثة والثلاثين من عمرها.. ترى في منامها أن لها عضوا ذكريا.. وشاءت كل الأزمنة التي رحلت في حياتها أن تتداخل وتتصارع في تلك الساعات المختصرة الشائكة ... عندما تختصر الساعات زمنا بعيدا فأنت بلاشك ستتضطر للوقوف أمامها كثيرا .. وخصوصا وهي على بعد ساعات من زواج حقيقي .. الزواج الذي يبدو للوهلة الأولى طبيعيا جداَ لفتاة مثلها.. ولكنه بدا لديها أمرا يخلق بداخلها الكثير من التساؤلات والريبة واسترجاع كل ماهو مؤلم ومضن ومخيف.. إنها تنتظر لحظة زواج في هذا اليوم المرتبك بكل تفاصيله .. يوم كامل يمر عليها وهي في طريقها لهذا الأمر الغامض .. كثير من الأشياء جعله يبدو مكانا متوترا في ذهنها .. كان أهمها هذا الحلم العنيد المستهين بكل ما تقدره لها الظروف يومها .. حلم جاء ليدمر كل محاولاتها في إبداء رغبة ولو بسيطة في الرجل. وفي هذا الزوج التعيس في خيالها .. لأنه قرر في لحظة ما أن يتزوجها.. ولكن ماذا تفعل وهي الآن بعضو ذكري ظهر لها في منامها فجأة ليغير كل حساباتها المنطقية لحياة لم تكن اصلا تحمل الكثير من المنطق ..
لم يظهر الكاتب أي رحمة تجاه بطلته وهو يضعها في مواجهة مع كل الملامح البغيضة في حياتها .. تلك الملامح التي بدت وكأنها اتفقت على تكوين كل ما هو شبحي ومقيت حول الفتاة التي اتخذت من القبح سمة لأنها في الحقيقة لا تمتلك سمة أكثر وضوحا واكتمالا منها.. ولم يظهر الكاتب أي شفقة في اقتياد تلك الشخصية إلى كل الخيالات والحكايات التي حولت حياتها إلى صراعات معقدة مع موروثات ثقافية وإملاءات اجتماعية وحكايات كانت في السابق لغيرها .. ثم صارت لها دون أن تدري .. فكل هذه الحكايات التي كانت تحكيها الجدة للأم عن العالم الآخر والكائنات الخفية التي تشاركنا حياتنا دون أن ندري .. صارت هي نفسها الحكايات التي تحكيها الأم للطفلة التي لم تكن لتختار شيئا في حياتها.. هي حقا لم تختار .. حتى تلك الصداقة بينها وبين الفتيات لم تكن تحوي أي معنى للصداقة الحقيقية.. فهي علاقة نفعية بغيضة لم تترك في ذهن الفتاة إلا السخرية والتهميش من هذا الدور السقيم التي كانت تقوم به كطرف ثالث عندما كانت تخرج مع صديقاتها ليتقابلن بعشاقهن في تجارب مثيرة للجميع.. كل الأطراف إذن كانت تدرك مدى حقيقية كونها ماعدا تلك الفتاة التي تشاهد في صمت.. تشاهد من يستخدمها في أدوار هامشية.. جعلتها طوال الوقت تتمنى ـ وهي لا تعي لماذا تتمنى ـ أن تجرب الأدوار الحقيقية يوما.. دائما ما تشاهد تجارب الوله والعشق.. وهي خارجها.. ويستأمنها الآخرون على بناتهم لثقتهم في أخلاقها.. وهي التي لم تدرك يوما أي معان حتى من بعيد .. للانحراف ، طرف ثالث في العلاقات العاطفية.. وطرف ثالث في منزلها مع حكايات أمها وجدتها ..إنه هو الطرف الثالث المهمش... ومثل هذه الفتيات بدون شك لا يملكن أي مستوى من مستويات الرؤية الحقيقية ... فعندما لا تمتلك خيارات حقيقية في حياتك... لن تمتلك على الإطلاق صورة لهذه الحياة.. حتى تلك التي تفرض عليك.. لا تستطيع رؤيتها.
وبينما أنت تتابع لغة سردية هادئة متاملة توهمك بمزيد من الخضوع وشخصية لا تمتلك أي نوع من أنواع اليقين، تقودك نفس اللغة إلى حالة من حالات التمرد والمحاولات المتكررة للتخلص والفرار، ماذا لو صارت كل النساء بعضو ذكري؟ ماذا لو حاولت الفتاة الخروج من أطر حياتية لم تضع نفسها فيها على الإطلاق؟ ماذا لو عاشت في عالمها؟ حلمها المتمرد؟ مجتمعها الذي يمتليء بهذا النوع من البشر .. نوع لا ينتظر الإشارات.. نوع يكسر كل الموروثات التي لم نخترها بعد؟ مؤلم جدا للإنسان أن يكتشف فجأة أن كل ما يدور حوله بالفعل من صنع أشخاص آخرين ، ..كل الطرق التي يسير فيها لم يكن هو من مهدها.. وكل الأشخاص الذين قابلهم انضم لهم هو في سياقاتهم الخاصة بهم ولم يفكر أحدهم في الانضمام لسياقه أو حتى التفكير في شكل لهذا السياق المنعدم الملامح .لم تكن زغاريد الجيران وفرحتهم حقيقية بالفعل ..ولم تكن صديقاتها على علاقة بها بالفعل.. ولن يمثل هذا الزوج إلا شكلا من أشكال الهروب من مأساة.. للانتقال إلى مأساة ربما تكون أكثر غموضاَ.
من حقها إذن أن تستعيد حياتها الصحيحة منذ البداية.. ومن حقها أن تتخذ من حلمها نافذة لعالمها الحقيقي.. هذا العالم الذي ترى فيه النساء مبتهجات باختياراتهن العظيمة ، منتشيات بأعضائهن الذكرية ... كل أنواع التحليق متاحة إذن في الحلم .وكل الخيارات في أن تعيش في مدينتها الفعلية قد تحققت .. لماذا إذن محاطة هي بأشباح من حولها ؟ ولماذا إذن لا تحاول التخلص القريب؟ يوم غريب فارق يمر عليها الآن تتذكر فيه كل هذه التفاصيل المريبة في حياتها وتشاهد في حلمها ان لها عضوا ذكريا ثم تشاهد في آخر تلك الحياة كما كانت تريدها.. ولم تكن النافذة ببعيدة عنها .. كما لم يكن الحلم ببعيد عنها.. لتخوض تلك التجربة الرائعة.. تلك التي رأت فيها.. ولأول مرة.. حياتها الحقيقية..لترى في كل النساء المبتسمات صورة جميلة حقيقية تبررها أعضاؤهن الذكرية .. فكل الفتيات صارت مثلها وكل النساء صرن أصحاب الفعل الحقيقي في النكاح .. .لم تمنعها دهشتها من الابتهاج . لأنها بالفعل رأت ما تريده منذ زمن بعيد يتحقق بكل تفاصيله ، وبقدر بساطة أحلامنا تكون عظمتها الحقيقية .وبقدر سمو تفاصيل حلمنا نثق في قدراتنا على عيش حياة أفضل لقد رأت في أهلها ورفاقها وجيرانها وزوجها القادم أشباحا حمقى تطاردها إلى أن تتخلص من لعناتهم بطريقتها الخاصة المثيرة ،ورأت في نساء حلمها كل الجسارة والطموح والإقبال ،امامها إذن الاستسلام للواقع الأليم بكل تفاصيله التي كرهتها ولا تستطيع تغييرها ،وامامها ان تتخذ من حلمها الذي رأته وحياتها الحقيقية التي تمنتها دافعا جديدا للوجود .. كان عليها أن تختار النافذة ولتتحمل إذن كل النتائج في سبيل الاستجابة إلى تلك النداءات الحقيقية للوجود كما ينبغي أن يكون.. يمكننا إذن أن نحلق ذاهبين لعوالمنا الحقيقية دون خوف.. سنرى أشباحنا القديمة تجري وراءنا في كل وقت .. ولكننا في كل الأحوال.. لا بد وأن نصل .

الثلاثاء، أبريل 10، 2012

أزمة الجسد في رواية عالم المندل::

أزمة الجسد في رواية  عالم المندل
هويدا صالح
يُشكل الكتّاب أعمالهم من تناقضات الوضع البشري واشتغال الخيال وتأثرات اللاوعي بالمخزون الأسطوري والموروث الحكائي ويصنعون من جميع هذه العناصر رؤيتهم الخاصة للعالم ، وهذه الرؤية  يجب أن يمتزج فيها التأمل بالسرد ، أجل أن يتشكل الخطاب الثقافي الذي هو رؤية واعية للعالم وما فيه ، لذا السرد الذي يعتمد فقط على مجرد حكي الحكايات والحواديت لا يُعوّل عليه كثيرا في تقديم خطاب رؤيوي ، لكن الروائي الذي يعي قيمة التأمل ، وأهمية تقديم رؤية للعالم من خلال السرد هو الذي يقدم لنا عملا روائيا يعيش في الذاكرة ، ويُسهم في هدم المقولات القارة وتفكيك الخطابات الثقافية التي تُهمش مكون ثقافي ما أو تقصيه لحساب ما هو قار وثاو في اللاوعي الجمعي للمجتمع .

من هذه الرؤية التي تبحث فيما وراء السرد ، وتقرأ ما هو كامن وراء الخطاب أدخل إلى عالم رواية : " عالم المندل "  للروائي والمترجم أحمد عبد اللطيف والصادرة حديثا عن دار العين.

المدخل الرئيسي لقراءة هذه الرواية هو الخطاب الثقافي ، وليس هذا أنني أغفل البناء الجمالي للروائية ، فهي تتوفر على جماليات  سردية عديدة استطاع الروائي أن يصوغ بها عالمه الروائي ، لكنني أفضل البدء بالخطاب لأنه في تقديري هو الرهان الرئيسي لعالم المندل .

بعد قراءة متأملة للخطاب الثاوي خلف السرد نكتشف أنه يتكون من طبقتين ، الطبقة الأولى والتي تظهر من القراءة الأولى هي طبقة الخطاب النسوي الذي يكشف المسكوت عنه مما ترتكبه الثقافة في حق النساء ، فالرواية تطلق صرخة سيمون دي بوفوار أن النساء لا يولدن نساء ، بل هي الثقافة التي تصنعهن نساء ، وبالتالي تهمشهن ، وتكرّس لثقافة تنال من حقوقهن . تحكي الرواية قصة فتاة استيقظت من النوم لتجد لها عضوا ذكريا ، عضوا يمكنها من أن تتمرد وتثور على عالم همشها مرتين ، مرة لأنها أنثى ، وثانية لأنها لا تتمتع بالقدر الكافي من الجمال الذي يجعل العالم الذكوري يحتفي بها ويقبلها : " رأيت في المنام أن لي عضوا ذكريا ،فاتفضت من حلمي صارخة وأهلوس بكلمات وعبارات لا اذكرها ، وربما لم يسمعها أحد، هي المرة الأولى التي ارى فيها حلما شبيها ".
. هي أنثى تشعر بوطأة المجتمع الذكوري ، فتقرر أن تهدمه من داخله ، لكنها غير قادرة على أن تتمرد على فحولة مجتمع القضيب ، فتقرر عبر أحلامها أن تتبادل معه الأدوار ، فتصير هي امرأة بقضيب ذكوري منتصب ، ليست هي وحدها ، بل هي وكل نساء المدينة ، ويصير الرجال بشفاة ملونة وشعور مستعارة وأقراط تتدلى من آذانهم ، ومشية أنثوية خليعة . إذن عبر الأحلام تتمرد الذات الساردة على مجتمع القضيب / الرجل ، فتسلبه فحولته ، ويتداخل الواقع مع الحلم ، فلا نعرف هل ما حدث لنساء الرواية هو مجرد حلم دار في لاوعي الساردة أم حدث فنتازي حدث فعليا في وعي النساء في النص : " سرت في طريقي بريب أن الجدار المشيد بين واقعي وأحلامي صار متآكلا "
إذن هي مساحة ضبابية حملها أحمد عبد اللطيف ما يريد أن يقوله من خطاب يدين فيه ذكورية المجتمع التي تتعامل مع النساء ككائنات ناقصة الأهلية ، ومن لا تتمتع منهن بقدر من الجمال يقسو عليها ذلك المجتمع الذكوري، وحين تتحول النساء إلى رجال يمارسن حرياتهن بكل أشكالها المتاحة ، ويشعرن بالخفة والسعادة : " أرى في مواجهتي مجموعة من الصبايا السعيدات يرتدين مثلي أقمصة وبنطلونات ، قصرن شعورهن جدا. تبادلنا التحية بهزة راس وابتسامة، ... وقبل أن أعبر الرصيف مرة أخرى جاءتني فكرة أن أدخن في الشارع وأتجول في الميدان " وفي المقابل يصير الرجال تعساء يشعرون بهول ما حدث لهم ، ويخافون وضعية خبروها جيدا ، فقد كانوا هم الفاعلون فيها ، وهم من أقصوا وهمشوا النساء . هو تبادل أدوار أراده أحمد عبد اللطيف علَّ الرجال يشعرون بما تعاني النساء وخاصة حين يتم اختزالهن في أجساد تُعتلى دون مشاعر ، ودون مراعاة أنهن أيضا أرواح تشعر وتحس : " أرى وجها ذكوريا خشنا في وضع الكلب ومن خلفه وجها أنثويا رقيقا يركبه ، وبعد قليل تقذف فيه المرأة سائلها وهي ترتجف وتمسح قضيبها بمؤخرته " .
هذا هو المستوى الأول من الخطاب والمتجلى في ما قاله النص بشكل  مباشر ، وهو خطاب نسوي بامتياز ، بل يتماس مع  النسوية الأنجلو أمريكية التي حولت النسوية إلى أيديولوجيا صارخة تدين تهميش المرأة ، رغم أنه ثمة مدرسة أخرى في النسوية وهي النسوية الفرنسية التي قادتها جوليا كريستيفا  والتي ترى أن الكتابات النسوية هي التي تتبنى وجهة نظر نصرة وإنصاف المهمشين في كل زمان ومكان وليس شرطا المرأة فقط ، فكل كتابة تتحدث عما هو مهمش ومقصى هي كتابة نسوية .
المستوى الثاني من الخطاب كامن وثاو في فراغات النص ، في اللامقول أو فيما يُسمى بمساحات البياض في النص  ، فرغم الخطاب الأيدلوجي النسوي المعلن ، هناك خطاب ذكوري يصل لحد الفحولة يسير كما النهر أسفل النهر ، فلم يستطع الكاتب الانفلات من ذكورية الخطاب التي تكمن في لاوعيه هو ولا وعي النص بالتوازي . هناك خطاب ذكوري لا يظهر في اللغة ولا في مستويات السرد وإنما يظهر في النظر النمطية التي ينظر بها الرجل للمرأة ، فمثلا العضو الذكري الذي نبت للنساء فجأة بقرار نفسي يشفع له محاولات التمرد على القهر والاستلاب نجد هذا العضو الذكري في حالة استنفار دائم ، في حالة انتصاب ، حتى يحيل إلى التفكير  الفحولي ،فنجد كل النساء بعد امتلاكهن لأعضاء ذكرية في حالة انتصاب حتى وهن يتبولن .
كتب عبد اللطيف ـ وهو يصف تحول الوضع بالنسبة للنساء وتبادل الأدوار الذي حدث ـ يصف مشهدا جنسيا تعتلي فيه امرأة رجل ، كتب جملة في تقديري دالة وكاشفة لرؤية الرجال لجسد المرأة الذي يمثل بالنسبة لهم جسدا يُستعمل فقط لإفراغ شهوتهم، فهو مجرد ماعون لقذف السائل وإراحة الشهوة المشتعلة:" تقذف فيه المرأة سائلها وهي ترتجف وتمسح قضيبها بمؤخرته ".
أيضا مما يحيل على الخطاب الذكوري أن أزمة الذات الساردة طوال النص أزمة جسد ، أزمة افتقاد الجمال الجسدي ، فهذه الذات سُلبت الجمال الجسدي ، لذا هي تعاني التهميش ، وتعاني من عدم التفات الرجال إليها ،فرغم روحها الجميلة ، وغرامها بسرد الحكايات ، ووفائها الشديد لصديقاتها إلا أنها  ارتكبت خطيئة تراجيدية جعلتها تعاني معاناة قدرية لا حل لها ولا مهرب منها ، فهي لا تتمتع بجمال الوجه الذي يعجب الرجال ، وهذه نظرة ذكورية تختصر النساء في وجه أو جسد جميل ، لذا حين يغيب الجمال الجسداني يغيب معه اهتمام الرجال بالنساء .
لقد كانت النصوص الروائية التي تتمثل المقاربة النسوية -الجندرية محاولة لمواجهة البطرياركية الملازمة لأنساق الحبكة المعروفة ، وهو ما تمثل في بناء تلك الرواية ، فقد راهن الكاتب على تشظي السرد وتفكيكه ، فلم يقدم لنا نصا ذا حبكة كلاسية ، بل قسم الكاتب روايته إلى سرديات متجاورة لا تمشي في زمن خطي له بداية ونهاية ، بل لعب بالزمن ما بين فلاش باك واستدعاءات وزمن آني ، افتتح السرد بمقطع لميلان كونديرا كان كاشفا ودالا على هموم تلك الذات التي عاشت بين قوسين لم ينغلقا على حلمها بل ظل القوسان يقتربان ويبتعدان ، لكن أبدا لم تشعر بالأمان داخلهما ، قوسا الحلم والواقع . كان مفتتح  كونديرا عتبة دالة على النص ، وكاشفة له : " لم يتعد الأمر الأحلام بالطبع ،فكيف لامرأة عاقلة التخلي عن زواج سعيد؟ ومع ذلك ،فإن صوتا بعيدا جدا ومغريا بات يعكر سلامها العائلي : إنه صوت الوحدة . أغمضت عينيها وسمعت من بعيد ، في أعماق الغابات؛ صوت بوق صيد . ثمة دروب ممتدة في هذه الغابات، وفي أحدها يقف أبوها. كان يبتسم لها ويناديها "

ذات عالم المندل الساردة أيضا عاشت بهاجس التعلق بالأب ، كان الأب هو النموذج الذكوري الذي تعلقت به ، وكانت لحظة ما مس جسدها  ،فعاشت بهاجس الجسد المؤلم ، وخاصة أنها رأت ذلك الأب الذي مس عضوه جسدها دون قصد ، فابعدها بقسوة عن حجره ، رأت الأب في حالة انتصاب ، ويقارب أمها ، من لحظتها شعرت بحقد على أمها ، فقد أخذت والدها منها ، وظل انتصاب العضو الذي رأته في صغرها هو أقصى حلم تتطلع أن تكون ، فكانته ، ونبت لها عضو ذكري منتصب .
من الألعاب السردية التي أفاد منها الكاتب تعدد  الأصوات ، فهناك صوتان يتناوبان السرد بضمير الأنا ، صوت الساردة الرئيسية من ناحية ، وصوت الأم من ناحية أخرى ، وقد فرق بين الصوتين بأن جاء صوت الساردة بلغة مونولجية فصيحة ، وصوت الأم بلغة الحكي العامي من خلال أوراقها التي وجدتها البنت في صندوق أسرار الأم . كما لعب الكاتب برسائل الأم في تطوير الحدث، فلم تكن مجرد حيلة لكشف أسرار الأم والجدة ، بل كانت وسيلة من وسائل تطوير الصراع حتى يصل  الحدث إلى منتهاه .
كذلك لعب الكاتب بدلالات الرقم ثلاثة ، فطوال السرد يتكشف لنا أن هذا الرقم له وقع خاص في نفسها ،فقد كانت ثالث ثلاثة طوال الحياة ، هي ثالثة في العائلة بعد الأم والأب ، وثالثة مع صديقاتها ، فهي ترافق صديقاتها في رحلاتهن الغرامية ، فحين تخرج فتاة مع حبيبها تصطحب الساردة ، لتكون بمثابة الأمان لها ، وفي ذات الوقت مأمونة الجانب ، فهي على درجة من القبح حتى أن الصديقة لا تخشى منها أن تخطف خطيبها منها ، لعب أحمد عبد اللطيف بالرقم ثلاثة ، فكل فصل يتكون من ثلاث سرديات ،  ولكن في نهاية الرواية نجدها تشعر بالاكتمال ،فنجد الفصل عبارة عن سردية واحدة ، لأنها هنا أصبحت ذاتها ، ولم تعد مجرد رقم يكمل أعداد الآخرين ، وهنا يُختتم السرد .

كذلك عمد أحمد عبد اللطيف إلى هدم وتفكيك فكرة المندل ، التي أعطت الرواية اسمها ولم يكرس لها ، فقد أراد أن يهدم الفكرة ويفككها ، فليس ثمة عالم حقيقي للمندل ، وليس ثمة إلا ذات تحاول الهروب من نقصها الدائم إلى اكتمال مشتهى ، فتكتمل ، ويكتمل السرد في رواية : " عالم المندل " 

المقال منشور بمجلة الثقافة الجديدة عدد أبريل.. وعلى موقع الحوار المتمدن بتاريخ 10 أبريل 2012


جديد

«حصن التراب»: من ضيق الميلودراما إلى رحابة التاريخ

إبراهبيم عادل زيد   يعّرف «أحمد عبد اللطيف» روايته الجديدة «حصن التراب» بأنها (حكاية عائلة موريسكية). ولأول وهلة قد يبدو الحديث ...