حوار: أمين خيرالله
الشاب أحمد عبد اللطيف على لسان بطل روايته الجديدة «إلياس»، ويرى أن التساؤل يتكرر مع الأزمات
كافة التي يعانيها الإنسان. ويضيف عبداللطيف أن لكل كاتب بنيته الذهنية وخياله الخاص ورؤيته الفنية
وتصوراته عن العالم. على هذا الأساس، تأتي كتابته انعكاساً لهذه الأفكار والتصورات معلناً عدم رضاه
عن التجاهل الغربي لأعمالنا الأدبية.
ويؤكد عبداللطيف في حواره لـ«الجريدة» أن الغرب لا يعرف شيئاً عن تجاربنا السردية مع استثناءات قليلة جداً ومحدودة.
لماذا ركزت في رواية «إلياس» على اللغة بشكل كبير؟
أعتقد أنك تريد أن تقول إنني اعتنيت باللغة بشكل خاص، والحقيقة أنني أعتني باللغة دائماً في كتاباتي كافة،
ولا أتعامل معها باعتبارها مجرد أداة للتوصيل، فالعمل الأدبي يختلف تماماً عن العمل العلمي، حيث تقوم اللغة
بدور رئيس لا يمكن الاستغناء عنه، وإلا خسر العمل الكثير من مزاياه. الجديد في «إلياس» أن اللغة كانت
بطلاً رئيساً. بمعنى أن التجريب هذه المرة كان في اللغة نفسها، في بنيتها ومجازاتها، في اعتماد التكرار
كوسيلة أسلوبية، في الركون إلى ما يمكن أن نسميه «العبارة النووية» التي تنشطر وتتشظى لتتوالد منها
عبارات أخرى بالكلمات نفسها أحياناً أو بإضافة كلمات إلى العبارة عينها لنفيها أو تأكيدها، مع الاستغناء
التام عن الفواصل وضمائر المفعول والاعتماد على النقاط، لتشكّل بذلك ليس كيانها الخاص فحسب بل
أيضاً إيقاعها المميز. اللغة خاصة بي، بمعنى أنها لم يسبق استخدامها في اللغة العربية، ولا في لغة أخرى
على حد علمي. هو أسلوبي الذي اخترته لهذه الرواية، وبصمتي الخاصة، وهي اللغة الأنسب للبطل الذي
يعاني اضطرابات كبيرة في الشخصية، ناتجة من بحثه الدائم عن هويته الضائعة التي لن يتمكن أبداً من
الحصول عليها.
لماذا استخدمت التكرار في الكلمات والتأكيد على المعاني ثم بعد ذلك نفيها وإعادة تفكيكها؟
إنها لعبة الأسلوب التي تعكس عالم الرواية كما تعكس حالة البطل إلياس النفسية. إنها الاضطراب
المتجسد ليس فقط في الأحداث والمشاهد، بل أيضاً في لغته. أعتقد أن دور الكاتب أن يبحث عن
اللغة التي تناسب أبطاله، ليعبر بها عن أزماتهم وحالاتهم وثقافتهم وهمومهم.
لمن تؤرخ شخصية إلياس؟
للإنسان، هذا أهم ما تطرحه الرواية. تؤرخ للحظات المضطربة في التاريخ الإنساني لإعادة
مساءلته، ليس بغرض الوصول إلى إجابات قاطعة بقدر ما هي طرح وسؤال حول ما حدث،
فالرواية تنتقل عبر أزمنة وأمكنة مختلفة. ترصد {إلياس} في غرناطة والقاهرة، تسلط عليه
الضوء في فترة الفتح العربي لمصر والأندلس، تشير إلى سقوط الأندلس وتنتقل إلى التاريخ
الحديث والأكثر حداثة. في ذلك كله نجد إلياس، نجد الإنسان، بكل مآسيه وأحلامه الضائعة
وخيبات آماله، سؤال الإنسان هو ما يشغلني تحديداً في أعمالي كافة، ماذا نفعل هنا مقترناً
بسؤال أين نذهب؟ والحق أنني كتبت الرواية تحت ضغط الحزن على دماء الإنسان التي
أهدرت في السنوات الأخيرة، فوجدتني أربط هذه الدماء بدماء أخرى أهدرت في فترات
تاريخية مختلفة. هنا تحديداً نسأل ماذا نفعل هنا؟ في أي طريق نسير؟ وكأن إلياس تجسيد
لأسئلة الإنسان الضائع الذي يبحث عن الانتماء، فيكتشف أنه محض نبتة صبار في صحراء.
شخصيات وحقائق
لماذا وصفت إلياس بالشيء وعكسه، هل كنت تقصد ألا تتواجد أي حقائق تتعلق بهذه الشخصية؟
شخصية إلياس، بكل حيرتها واضطرابها وتوترها وألمها وضياعها، ليست قادرة على الإطلاق
على منح حقائق هذا الإنسان المأزوم الذي لا يملك الحقائق ليمنحها للقارئ. من هنا، جاءت تقنية الإثبات
والنفي، تقنية تعكس مدى توتر البطل. ومع ذلك، يمكن للقارئ بكل سهولة أن يشارك إلياس في أزمته
والتماهي معه، والخروج بالأسئلة نفسها التي يحملها ليعيد بذلك التفكير في الحقائق المعروفة، خصوصاً
التاريخية منها. ربما لا يمنح ذلك إلياس أي حقيقة، لكنه يمنحه نافذة للإطلالة على العالم بشكل مختلف.
وأعتقد أن هذه هي فائدة الأدب، رؤية جديدة. وربما يكون الأدب أيضاً، كما يقول الروائي الإسباني
خابيير مارياس، أن تقول للقارئ ما يعرفه من دون أن يعرف أنه كان يعرفه.
لماذا تلجأ في رواياتك إلى التجريد وابتكار شخصيات من الفراغ؟
الحقيقة أن لكل كاتب بنيته الذهنية وخياله الخاص ورؤيته الفنية وتصوراته عن العالم. بناءً على ذلك،
تأتي كتابته انعكاساً لهذه الأفكار والتصورات. شخصياً، أعتمد على الخيال والتأليف في رواياتي أكثر
مما أعتمد على المشاهد اليومية أو الذاكرة البعيدة أو القريبة. بل حتى المشاهد اليومية أمررها على
الخيال لتخرج في صورتها النهائية مقطعاً في رواية أو مشهداً من ضمنها، وأتصور أن الحياة على
ما هي عليه تحتاج إلى تدخل الخيال لأجل إنتاج الفن، وربما أعترف لك بأنني لست منحازاً لتصوير
الواقع أو العمل ككاميرا فوتوغرافية. أعتقد أن الفن، كما يقول خوليو كورتاثر، هو أمور على هامش
الواقع وليس الواقع نفسه. لذلك، لم أستفد حتى الآن من سيرتي الذاتية أو ذكرياتي بقدر ما استفدت
من خيالي. أما التجربة الحياتية فتفيدني في تكوين تصورات وطرح أسئلة عن الوجود والموت أكثر
منها مادة خامة لعمل فني، فالتجسيد يحمل معنى واحداً، فيما يحمل التجريد تأويلات كثيرة، ما يمنح
آفاقاً للتفكير.
مَن الكاتب الغربي الذي تحرص على قراءة أعماله وترى أنك تأثرت به؟
قرأت الكثير من الكتاب الغربيين واستفدت منهم بشكل أو بآخر، أحببت كتابات خوليو كورتاثر
وكافكا وساراماغو وماركيز وروبيرتو بولانيو وخوان ميّاس وألبير كامو وماريو بينيديتي، لكنني
أحب بورخس بشكل خاص وأعتقد أن كتاباته انتصرت لفكرة الأدب كأدب من دون أي رسائل أو خطابات.
والحقيقة، أن قراءاتي لا تنحصر في السرد، فكثيراً ما أحب قراءة الشعر، العربي منه والغربي، وأستغل
وقتاً كبيراً لمطالعة التاريخ، كذلك أحب الكتب العلمية، وأتصور أن سؤال العلم يتقاطع مع سؤال الأدب،
فالأول يسأل كيف جئنا، والثاني يسأل لماذا جئنا؟ ما يمنح معرفة تساعد في فهم العالم، إن أمكن ذلك.
هل أنت راض عن عدد الأعمال الأدبية العربية المترجمة إلى اللغات الأخرى؟
لا بالطبع، فالواقع يقول إن الأدب العربي لم يُقرأ بعد خارج حدوده، والغرب لا يعرف شيئاً عن
التجارب السردية التي تحدث هنا، مع استثناءات قليلة جداً ومحدودة. لكن الذنب لا يتحمله جانب
بمفرده، فالغرب يبحث عن أعمال تكشف المجتمع من دون أن يهتم بالأعمال التي تطرح سؤالاً
إنسانياً عاماً، والعالم العربي لم يستطع أن يقدم نفسه جيداً للعالم الغربي. لا تنس أيضاً أن التأخر
العلمي والسياسي يؤثر على انتشار الأدب، بالإضافة أن الحكومات العربية لا تهتم بترجمة كتّابها
ورعايتهم. شخصياً، لا أعرف كيف يمكن الخروج من هذا المأزق.
http://www.aljarida.com/news/index/2012686728/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AF%D9%8A%D8%A8-%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%B7%D9%8A%D9%81--%D9%85%D9%86-%D8%BA%D8%B1%D9%86%D8%A7%D8%B7%D8%A9-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A9-%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%A7%D8%AD%D8%AF%D8%A9