مجتزأ من أحدث روايات يوسا |
"حلم السلتيكي" |
ترجمة \ أحمد عبد اللطيف الكونغو عندما فتحوا باب الزنزانة، دخلت ومضات ضوء وضربة هواء ضوضاء الشارع التي كانت تحجبها الأسوار الحجرية، استيقظ روجير مرعوباً. رمش بعينيه مرتبكاً، وانتبه وهو يحاول الجلوس إلي طيف الشريف، المعكوس علي الباب. نظر إليه بوجهه الناعم وشاربه الأبيض وعينيه التي تتحدث بسوء، وبسماجة لم يحاول أبداً مداراتها. هذا الرجل سيعاني ألماً إذا منحته الحكومة الإنجليزية طلب العفو. - زيارة- همس الشريف، دون أن يرفع عنه عينيه. نهض، نفّض ذراعيه. كم من الوقت نام؟ كانت إحدي مزايا سجن بينتوفيل أنه لا يُعرَف الوقت. في سجن بريكستون وفي برج لندن كان يُسمع صوت الأجراس التي تدق كل نصف ساعة، هنا، الحوائط السميكة لا تسمح بمرور صوت أجراس كنائس كاليدونيان رود ولا ضجيج سوق ايزلينتون كما أن حراس الأبواب ينفذون الأوامر بصرامة فلا يوجّهون له كلمة. وضع الشريف الكلابشات في يديه وأشار إليه بالخروج أمامه. هل جاءه محاميه بخبر سعيد؟ هل اجتمعت اللجنة وتوصلت لقرار؟ كانت نظرات الشريف، المحمّلة أكثر من أي وقت مضي بالنقمة التي تسكنه، توحي بأنهم خففوا العقوبة. سار في الممر الطويل ذي الأحجار الحمراء المغطاة بالقذارة، أبواب زنازين معدنية وجدران مقشرة الطلاء فيها نافذة عالية كل عشرين أو خمسة وعشرين خطوة وبها فتحة يمكن من خلالها رؤية جزء من السماء الرمادية. لماذا كان يشعر بالبرد الشديد؟ كان شهر يوليو، قلب الصيف، ولم يكن هناك سبب لهذا البرد الذي يجعل جلده مقنفداً. عند دخوله لقاعة الزيارات الضيقة، تصبب عرقاً. من كان ينتظره لم يكن محاميه جورج كافان ديفي، وإنما أحد مساعديه، شاب أشقر وهزيل، بوجنتين بارزتين، يرتدي ثوباً أنيقاً، كان قد شاهده خلال أربعة أيام المحاكمة يحضر أوراقاً لمحاميي الدفاع. لماذا يرسل ديفي أحد مساعديه ولم يأت بنفسه؟ نظر إليه الشاب نظرة باردة. بين حدقتيه كان يقفز الغضب والاشمئزاز. ماذا حدث لهذا المعتوه؟ "ينظر لي كما لو كنت حيواناً" فكّر روجير. هل من جديد؟ نفي الشاب بهزة من رأسه، وأخذ نَفَسَه قبل أن يتكلم. - عن طلب العفو لا جديد إلي الآن- همهم، بجفاء، مؤدياً إيماءة جعلته أكثر تفككاً- يجب أن ننتظر حتي يجتمع مجلس الوزراء. كان وجود الشريف والحارس الآخر في القاعة الصغيرة يضايق روجير. فرغم أنهما بقيا صامتين وساكنين، كان يعلم أنهما ينصتان لكل ما يُقال. وكانت هذه الفكرة تطبق علي صدره فتجعله يتنفس بصعوبة. - لكن لو وضعنا في اعتبارنا الأحداث الأخيرة فكل شيء صار أصعب- أضاف الشاب الأشقر وهو يرمش بعينيه للمرة الأولي وفاتحاً ومغلقاً فمه بشكل مبالغ فيه. - الأخبار لا تصل إلي سجن بينتونفيل، ماذا حدث بريطانيا العظمي من سواحل آيرلندا؟ وهل الغزو الذين يحلمون به حدث؟ وهل مدافع كايسير تنتقم حالياً من المواطنين الآيرلنديين الذين رفّعهم الإنجليز عند الاحتفال بأسبوع الآلام؟ فلو اتخذت الحرب هذا الطريق، ستتحقق خططها رغم كل شيء. - كل شيء أصبح صعباً، وتحقيق النصر شبه مستحيل- كرر المساعد. كان شاحباً ويكبح استفزازه، وكان روجير يستشف جمجمته تحت جلد وجهه الأبيض. وكان يشعر أن الشريف يبتسم من وراء ظهره. ماذا تقول؟ السيد جابان ديفي كان متفائلاً جداً بالعفو. ماذا حدث كي يغير رأيه؟ -يومياتك _ قال الشاب بإيماءة ضيق. خفض صوته حتي أن روجير كان يسمعه بالكاد- اكتشفها سكوتلاند يارد في بيتك بإبيري ستريت. صمت صمتاً طويلاً، منتظراً أن يقول روجير شيئاً. لكن بما أن الأخير أصابه الخرس، أطلق الزمام لضيقه وعوج فمه. - كيف كنت رجلاً غير رصين، يا ابن الرب- كان يتحدث ببطء يعكس غضبه- كيف كتبت بقلم وورقك مثل هذه الأشياء، يا ابن الرب. وإن كنت فعلت ذلك، كيف لم تتخذ الاحتياطات اللازمة لتمزيق هذه الأوراق قبل أن تتآمر ضد الامبراطوية البريطانية. " إنها سبة أن يناديني هذا المعتوه بكلمة ابن الرب"، فكر روجير. كان غير مؤدب، لأن عمره ضعف عمر هذا الولد علي الأقل. - أجزاء من هذه اليوميات تلف الآن في كل مكان بالإمبراطورية، قال المساعد بشكل أكثر هدوءً، رغم أنه متضايق علي الدوام، ودون أن ينظر إليه. سلّم متحدث الوزير، قبطان سفينة ريجينالد هول شخصياً، نسخاً لعشرات من الصحفيين. يومياتك في كل أنحاء بريطانيا، في الأندية الليبرالية والمحافظة، في قاعات الدرس، في صالات التحرير والكنائس. في المدينة لا يتحدثون عن شيء آخر سواك. ريجير لم يتفوه بكلمة. لم يتحرك. كان يشعر، من جديد، بهذا الإحساس الغريب الذي استحوذ عليه في مرات كثيرة في الأشهر الماضية، منذ هذا الصباح الأسود والماطر من أبريل سنة 1916، والذي فيه كان منكمشاً من البرد، سحبوه من بين أطلال مي كانا فورت، بجنوب آيرلندا: لم يكن هو، لابد أنه كان آخر من يحدثونه هكذا، من تحدث له هذه الأشياء. - أعلم أن حياتك الشخصية ليست من شأني، ولا من شأن السيد ديفي ولا أي أحد آخر- أضاف الشاب المساعد، مجتهداً أن يخفض غضبه المعكوس في صوته- لكنني أتحدث عن شيء مهني بالدرجة الأولي. السيد جابان ديفي أراد ان يطلعك علي ما يحدث. ويحذرك. ربما يتم رفض طلب العفو. هذا الصباح، كانت هناك اعتراضات في بعض الجرائد، خيانات، شائعات حول ما تحويه يومياتك. حتي الرأي العام الذي كان يؤيّدك تأثّر بكل هذا. هذا افتراض صرف. أتريد أن أنقل له أي رسالة؟ __________________ نشر بجريدة أخبار الأدب http://www.akhbarelyom.org.eg/adab/detailze.asp?field=news&id=1534&num=%C7%E1%C8%D3%CA%C7%E4 |
الجمعة، أكتوبر 15، 2010
ماريو بارجس يوسا..نوبل 2010
جديد
«حصن التراب»: من ضيق الميلودراما إلى رحابة التاريخ
إبراهبيم عادل زيد يعّرف «أحمد عبد اللطيف» روايته الجديدة «حصن التراب» بأنها (حكاية عائلة موريسكية). ولأول وهلة قد يبدو الحديث ...
-
غادة نبيل قد يحب الشعراء – أكثر من الروائيين – رواية أحمد عبد اللطيف الأخيرة "إلياس" ( دار العين ) . فى أعمال أخرى أقل تجر...
-
ناهد خزام يمعن الروائي والمترجم المصري أحمد عبد اللطيف في وصف أدق تفاصيل الشخصية الرئيسية في روايته الصادرة أخيرا عن دا...
-
(1) في رواية أحمد عبد اللطيف الأحدث "إلياس"، (دار العين، القاهرة)، نحن أمام ما يشبه الحكاية، مروية على لسان ما يش...