ملائكية يهوذا
أحمد عبد اللطيف
في قصة صلب
المسيح الشهيرة، ربما لا يتذكر أحد، ولا يذكر حتى في الحوارات العابرة، أن يهوذا
الأسخريوطي رد الأموال إلى اليهود وندم ندم التائب عقب صلب المسيح. لقد أدرك الرجل بعد فوات الأوان أنه ما من شيء
يُسكّن ألم الضمير مثل المغفرة، فتخلى عن كل شيء لينالها.
تطرح القصة
القديمة سؤالاً أبدياً حول التسامح، عودة يهوذا بقلب مكسور في مقابل إعراض القوم
عنه. كما تطرح الأخطاء البشرية التي لا يمكن التسامح فيها، حيث يصير حينها خطيئة
أخرى. ماذا لو رحبوا بتوبة يهوذا وأخبروه، على جهل بقيمة التسامح، أن الله يغفر
الذنوب جميعاً؟ وماذا لو طوت كتب التاريخ هذه الصفحة مع الاكتفاء بالإشارة إلى أن
بشراً قد أخطأ وتاب فحسب؟
ربما يستطيع
أكثر الناس تسامحاً أن ينظر في العلاقات الإنسانية الفردية بعين الرحمة، ففردية
العلاقات تخلق هذه المساحة من الخطأ والعفو. غير أن الخطايا الكبرى، التي تطعن
العدل في مقتل، ليست فردية في معظم أحوالها. لذلك، فالذين يعرفون قيمة العدل، بنفس
القدر الذي يعرفون به التسامح، يثير فيهم العفو الرئاسي عن الإرهابيين كثيراً من
الأسئلة، فكيف ينال الحياة من يفرض الموت على الآخرين؟ وكيف لا ننزلهم منزلة
يهوذا، الذي اكتفى بالوشاية فناله ما ناله؟ إلا إذا كان الجواب بأن هذا هو الإسلام
كما يرونه، فيضاف ذلك إلى "تحقيق العدالة الاجتماعية بالحب"، و"عدم
المساس بالذات الإلهية" في دستور يدافع عن حقوق المواطن.
السؤال
المحير الآن: هل وجود رئيس إخواني سيمنع وقوع حوادث إرهابية؟ ولو وقعت، هل سيُقبض
عليهم ليمتثلوا أمام القضاء ومن ثم دخول السجون؟ الإجابة على السؤال الأول
بالإيجاب سيضع الإخوان في مأزق، لأنه يعني أنهم شركاء للقتلة أو متواطئون، وهو ما
يتنافى مع سلميتهم التي يدعونها. وفي حالة الإجابة بالنفي سنستخدم علامة التعجب
أمام الإفراج عن إرهابيين من الممكن ان يعودوا للترهيب، إفراج سيشجع جماعات أخرى
على القتل باعتباره مباحاً، ولن يتم معاقبتهم بالطبع أسوة بزملائهم.
حكاية يهوذا
الأسخريوطي، أشهر وأهم الحكايات التي أسست لقيمة العدل والتسامح، احتفظت لنفسها
بالخلود. المفارقة هنا أن البشرية صنعت من الواشي أيقونة للشر والغدر لأنه تسبّب
في قتل فرد، على أهميته ونقائه يبقى فرداً، في حين يطالبنا الرئيس الإخواني أن
نعفو ونصفح عمن قتلوا أفراداً أيضاً أبرياء، لنمحي بذلك صفحة خزي من التاريخ،
متناسياً أن القتلى لم يرتكبوا خطئاً سوى أنهم دفعوا فاتورة ثقتهم في أن الأعزل لا
يضار دون أن يدركوا أن يد الإرهاب لا تطال إلا العُزّل.
أخيراً، فإن
التاريخ أثبت أن موت يهوذا لا يعني اختفاؤه للابد، بل يعني تكاثره ذاتياً ليغرق
العالم بيهوذات جدد، غير أنهم، وهذا هو الجديد، لا يندمون، بل ويكرّمون في آخر
المطاف. وبوضع صورة بجوار أخرى، نلتفت لملائكية يهوذا.
منشور بجريدة اخبار الأدب