جريدة الأهرام
عن الظلال وسطوتها
بقلم إبراهيم أصلان
نبقي مع رواية( لاورا وخوليو) للأسباني خوان مياس, والتي ترجمها للعربية أحمد عبد اللطيف ، حيث نري خوليو وهو يجلس علي حافة سرير ابنة شقيقته الطفلة, يعاونها علي النوم, وهي تقول:
- إذا أردت أن أنام, احك لي حدوتة.
- أنا لا أعرف حكاية الحواديت.
- فقط قل كان يا ما كان وستري كيف تأتي الحدوتة.
- كان يا ما كان. قالها وصمت.
- كان في بلد . أضافت الصغيرة
وفي تلك اللحظة مشي أحدهم في الخارج وعبر ظله علي الحائط, وحينئذ قال خوليو:
- كان في بلد عدد ظلاله أقل من عدد أشخاصه.
- لماذا؟
- لأن نصف الناس كانوا يولدون بلا ظل.
- وكيف كانوا وهم بلا ظل؟
- كانوا طائشين
- وما معني طائشين؟
- يفكرون قليلا في الأشياء
- أية أشياء؟
- كل الأشياء, تغلق الأبواب علي أصابعهم.. يلسعون ألسنتهم بالشوربة عندما يأكلون ، يتركون الحنفيات مفتوحة ، ويفكون رباط الحذاء.
- وهل يتبولون في السرير؟
- نعم
- وماذا حدث؟
- قررت حكومة هذا البلد تقسيم الظلال الموجودة إلي أنصاف ظلال وإعادة توزيعها علي المواطنين بالقرعة, ليمتلك كل مواطن نصف ظل.
- وماذا حدث بعد ذلك؟
- حسنا, سار الناس في الشوارع بنصف الظل الذي منحته لهم الحكومة ، لكن ذات يوم كان هناك شخصان يتجولان في حديقة ويسير خلف كل منهما نصف ظله, وعندما دفعهما شيء للتوقف, انتبها أن نصف ظل كل منهما التقي نصفه الآخر الأصلي بالمصادفة, فالتحما, ولم يعد ممكنا فصلهما أبدا, وقد حدث توافق بين صاحبي نصفي الظلين, وكانا رجلا وامرأة وتزوجا . منذ ذلك الحين بدأت كل أنصاف الظلال الموجودة في البلدة رحلة البحث عن نصفها الآخر وهي تسحب وراءها الأشخاص أنفسهم, وهكذا صارت الظلال تسيطر علي العالم كله, وعندما كان يلتقي نصف ظل مع نصفه الآخر كان أصحاب الظل يلتقيان أيضا دون ان تكون لديهم أية فرصة للاختيار, لقد وقعوا جميعا تحت سلطة الظل, كان هناك زواج بعقد وزواج بفسخ ليس استجابة لرغبة الجسد وإنما استجابة لرغبة الظل.. أصبح الأفراد جزءا فقط من الظل, كانت ظلال الساسة هي التي تحكم البلد, بينما ظلال المدرسين تشرح الدروس في المدارس لظلال التلاميذ, وكانت ظلال رجال الشرطة تطارد ظلال المجرمين التي حكمت عليهم ظلال القضاة بالسجن, وكانت ظلال الأطباء تعالج ظلال المرضي, وفي الأسواق كانت تباع ظلال اللحم وظلال السمك وظلال الخبز إلي ظلال الزبائن, وبما أن الظلال تعشق الظلام, رويدا رويدا حرموا في هذا البلد كل مظاهر النور بداية من المصابيح ومرورا بالشمع, ثم حرموا بعد ذلك ضوء الشمس, وتحول المكان إلي ظل ضخم.
هكذا قال . وفي هذه الأثناء كانت الطفلة قد أغمضت عينيها . لقد نامت.