السبت، أكتوبر 17، 2009

نوبل الآداب /2009 / هرتا مولر

جذور هرتا مولر المقتلعة .

ترجمة : أحمد عبد اللطيف

( أخبار الأدب ، بتاريخ 17/10/2009)

في بيت متواضع يحمل رقم 353 بالشارع الرئيسي بقرية نيتشيدروف ، ولدت هرتا مولر . بيت أخضر ، مشيد بالطوب اللبن ، يبدو أنه يقاوم إرادة الزمن نفسها، وحوله تجد الكلاب والقطط المزدرية ، هذه الحيوانات التي كتبت عنها هيرتا أنه من الصعب التمييز بينها . كما كتبت في " الأراضي السفلية " أنه "خلف البيت يترقرق جدول مياه ، ويُقهر الحصى ، وتُقمع الحجارة " . وفي القرية الصغيرة المحتضرة ، ذات الألف نسمة والشوارع الضيقة ، حيث يسود البرد والريح فيجمدان الدم حتي في الأيام المشمسة ، مثل يوم أمس ، نشأت نوبل الآداب لعام 2009 . هنا تربت كحفيدة لمزارعين وتجار فقدوا ممتلكاتهم مع وصول النظام الشيوعي ، وكابنة لعضو في WAFFEN SS ، ولأم منفية في حقل عمل بأوكرانيا . هنا مازال بيتها القديم قائماً ، ضد إرادة مواد البناء . من هنا هربت من مخالب الشمولية ، التي صارت موضوعها الرئيسي في أعمالها، سنة 1987 ، رحلت نحو حلم حرية ألمانيا الغربية لتنتسب لأقلية جيرمانية من السوافيين . الأقلية الألمانية وصلت هنا منذ أكثر بقليل من ثلاثة قرون للعمل في الحقل خلال احتلال الإمبراطورية النمساوية- المجرية لرومانيا ، ووجد مولر وعائلته أنفسهم متروكين لحظهم المرتبط بتاريخ أوروبا الوسطي في رومانيا تشاوشيسكو . وصرح عمدة نيتشيدروف أمس خلال نزهتي معه بالقرية ، التي تقع علي بعد 30 كيلومتر من تيميسورا ، غرب رومانيا ، أنه" تبقي سبعون بيتاً ألمانياً كأطلال في هذه القرية ، لم يهتم بها المجلس المحلي. لا يمكن بيعها وليس لدينا ميزانية لترميمها . وهذا البيت بالتحديد تم تأمينه عندما انتقلت هرتا إلي ألمانيا ، وبعدها بيع لألمان آخرين قرروا الرحيل وصار الآن قسماً في مدرسة" . سائراً في شوارعها ، ومنتبهاً للحنو الطفيف في العيون الجافة ، يفكر الغريب في حكم وينديش ، أحد أبطال " الإنسان تدرج العالم الكبير" هنا كانت النهاية ، منذ قرر الهجرة يري النهاية في كل شيء . السكان القدماء قليلا ما يتكلمون عن الماضي المؤلم ، والأمر ينطبق علي التصوير . أكثر ما يصيبونه قولهم إن تشاوشسيكو باع نوبل لألمانيا بمبلغ 8.000 مارك . هي صيحة تنتشر هذه الأيام في كل رومانيا ، وإضافة غير متوقعة إلي قائمة جرائم الديكتاتور . النظام التالف للإرادة كان يبدل تأشيرات سفر المهاجرين الساكسونيين مقابل أموال ألمانية . وكانت هذه صورة أخري لطرد "الأجانب" أما السعر فيحدده تصنيف كل فرد ، حسب مصادر تقصت في أرشيفات الفترة الشيوعية . وكانت هذه حالة مولر ، وهكذا تركت نيتشيدروف حتي لا تنظر للوراء . تقول هرتا في " كل ما أملكه سأحمله معي " وهي روايتها الأخيرة ، " أريد أن أرحل من غطاء هذه القرية التي لأحجارها أعين " " لم يكن خوفي الشديد ، بل ضيق صدري الخفي ، فقط أود أن أرحل لمكان حيث لا يعرفني أحد ". وبشكل ما حققت ذلك . قليلون هنا من يتذكرونها ، أما من كان بإمكانهم التذكر فماتوا أو عادوا لألمانيا . بالاضافة لذلك ، فهي ليست قرية من القري التي يحترمها القرن الواحد والعشرون ، فهي قرية زراعية لا زالت جيادها تجر عرباتها وآبارها تحتفظ بمياه (بها عشرون بئراً ). حفنة من الناس الذين شاركوها طفولتها لا زالوا يقيمون في نيتشيدروف . تقول أوجينيا دراجان ، زميلة دراسة قديمة ، " بعد حصة الألعاب تعودنا علي مذاكرة الرومانية . وكانت هرتا تشعر أنها لا تجيدها ، فكنت أساعدها " . لا أحد كذلك يذكر زيارتها الأخيرة لقريتها سنة 2005 ، حين اقترحت عليها السلطات المحلية تبديل اسم مدرستها لتحمل اسم مولر ، فرفضت بشدة ، كانت حينها في تيميسورا لتوقع روايتها . قالت وقتها " لا أريد أن يرتبط اسمي بشيء غير الكتابة " ، طبقا لما ذكرته أنيليس إيفان ، المدرسة بمدرسة نيتشيدروف . وأخيراً صرحت مولر لجريدة رومانية أن " المخابرات الرومانية سرقت مني حياتي خلال شبابي ، ومازالت تسرقها حاليا باحتكار الوقت المفروض للكتابة ". لقد عانت التعذيب والرعب والضيق بالتحكم . وعندما هاجرت اكتشفت أن أعز صديقاتها أيام الطفولة صارت تتعاون مع المخابرات ، مثل آلاف الأطفال والمراهقين الآخرين . تقول " علي الأقل وجدت جواباً لإحدى أسئلتي المؤلمة " . وكتبت حينذاك أن جيني ، زميلة المدرسة ، كانت تشكل جزءً من الحب والخيانة المرتبطين بالجهاز السياسي ". كانت مهمتها التحقق من أنشطتها اليومية ، منذ اليقظة للمنام ، من أين وماذا تشتري . وقالت مترجمتها للرومانية ، نورا لوجا ، "الشرطة في أعمال هرتا ليست مجرد جهاز ، وإنما تلبسها كل صفات الشر البشري ، بداية من الذل والتحرش ، ونهاية بالخوف والتعذيب والموت" . والآن تأتي الأكاديمية السويدية لتقدر أعمالها ، لتصفها بالتذكار الحقيقي للإرادة الإنسانية ، وهذا يكتسب في حارات نيتشيدروف معني عظيماً . منطق يسحق التعسف الديكتاتوري . فحتي لو كانت أصول مولر مقتلعة من رومانيا ، ومن ذاتها، إلا أنها تقول "رومانيا ما بعد الشيوعية لم تخلع قناع الرعب الشيوعي . مازالت الوشاية هي الخيانة الكبرى ، ومحاولة التلصص أقسي ما فيها " .

waffen ss : قوات العاصفة النازية

جديد

«حصن التراب»: من ضيق الميلودراما إلى رحابة التاريخ

إبراهبيم عادل زيد   يعّرف «أحمد عبد اللطيف» روايته الجديدة «حصن التراب» بأنها (حكاية عائلة موريسكية). ولأول وهلة قد يبدو الحديث ...