الأحد، مايو 03، 2009

لعبة الوقت

لعبة الوقت قصة : خوستو نابارّو تنبأتْ لي عرافة أنني سأقتل أمي ، وعرفتْ أنني كنتُ ممثلاً سينمائياً ، كما تكهنتْ بسلاح الجريمة التي سأرتكبها ، ووصفته بأنه سلاح همجي ، فهو ليس سماً ولا حقنةً ، وهي أشياء تكشف خبرتي الطبية . صدقتْ العرافة فيما قالت ، فأنا كنتُ ممثلاً سينمائياً منذ سنوات طوال ، رغم أن أمي كانت تكره السينما ولم تشاهد في حياتها سوي فيلمين ، شاركت أنا في بطولة أحدهما وظهر أبي في الآخر . كنت ، منذ سنوات بعيدة ، الطفل الأسطوري الذي قام ببطولة فيلم " الطفل يسوع " ، الذي حقق نجاحاً منقطع النظير في اسبانيا وأمريكا الجنوبية وإيطاليا . حينها ، كانت أمي تصطحبني في التصوير ، كذلك في ليلة افتتاح العرض ، كما كانت تساعد عاملات المكياج . كانت تفعل كل ذلك مع أنها تكره التصوير والمكياج والسينما ، وإن شاهدتْ فيلمي فليس ذلك إلا من باب تأدية الواجب ليس اكثر ؛ لقد فرضت عليها الظروف أن ترافق جدي ، الذي كان يقيم معنا حينذاك ، ليري حفيده علي الشاشة . كانت أمي تعلم أنني لستُ وجهاً سينمائياً ، وكانت تقول لي دوماً إن المشاهدين لا يدفعون من أجل مشاهدة وجه مثل وجهي علي الشاشة ، بل يدفعون ليروا من لا يرونه في بيوتهم ، بينما وجهي القبيح السوقي يملأ كل البيوت . كان هذا هو رأي أم في ابنها الوحيد. ولم تكتف بذلك ، فوصفتْ صوتي بالخشن وتخيلتني بشارب ورأت قصبة ساقي معوّجة ، وحوّلت أفلام الأطفال المقدسة إلي أفلام شيطانية لا طائل من ورائها ، وتصورتْ " الطفل يسوع " رجلاً صارماً له شارب ووجه مثقوب بحب الشباب . وعندما قدم لي المنتجون عرضاً للقيام ببطولة فيلم ثان بعد نجاح الفيلم الأول ، رفضتْ أمي بشكل قاطع . "إنه من الخطأ والوهن قبول دعوة هؤلاء الرجال الذين يلتقطون صورا لأطفال المدارس اليسوعية دون إذن آبائهم" ، كما أنهم قد أخطأوا حينما اختاروني وجعلوا مني نجما سينمائيا ، فهم لم يركزوا النظر في أنفي ، التي كانت تصفها بالقبح والسوقية ، مثل بقية وجهي تماماً . وبررت موافقتها علي توقيع العقد الأول بأن المنتج سولانا كانت تربطه بأبي زمالة قديمة . كان أبي أيضا يعمل بالسينما ، لكن بلا إرادة منه ، وقد شاهدتْ له أمي فيلمه الأخير الذي ظهر فيه عدة دقائق ، بعدها وافته المنية . نعم ، تحملتْ الجلوس أمام الفيديو عدة دقائق لتشاهد فيلماً . أحضرت لنا شريط الفيديو من روما صديقة قديمة وبعيدة لأمي ، تسمي اسبيرانثا . وبالمناسبة فإن كل صديقات أمي بعيدات ، فعندما تشتد الصداقة بين امرأتين تتباعدان بطريقة تلقائية . كانت اسبيرانثا تزورنا باستمرار وتجلب لنا الأخبار المحزنة ، عن المرضي وحديثي الوفاة ، وتحكي لنا زيارتها للفاتيكان لتصيبها بركة البابا ، وأنها عادت بعد ذلك لتحضر الفيديو لتشاهد فيلماً عرض منذ خمسين عاما مضت . كان فيلما وثائقيا يدور حول التدخل الإيطالي في الحرب الأهلية الاسبانية ، التي حققتْ فيها مدينة مالقة بطولة التحرر بعد أن كانت سجينة الرعب الأحمر . كان الفاشيون بجيشهم الهزيل والمتحير ميتين في جلودهم من الخوف في وسط الميدان ، قبل بدء اطلاق النار . وقبل غزوهم للمدينة بشهور ، كان أبي جنديا في هذا الجيش ، أو هكذا كانت تعتقد صديقة أمي البعيدة . كان أبي مسلحاً في موقف الدفاع ، في ليلة من ليالي اغسطس سنة 1936 ، بعد أن قصف الطيران الفاشي مخازن البنزين القريبة من الميناء . يجب أن أعترف أن أبي لم يكن بطلاً ، بل كان مدعياً ، وهذا رأي أمي ، وانضم لقوافل الساسة اليمينيين لأنه يحب الاحتفالات . والخطب السياسية والمواكب الإنتخابية ، التي تدور في المحافظة ، هي خير مناسبة للعب القمار والغناء والتعرف علي النساء وشرب الخمور . بعد ذلك ، عندما كانت زوجتي التي تصغرني بخمسة عشر عاما والمصابة بحمي الثورة ، تهاجم الجنرال فرانكو وأتباعه والمتواطئين معه وعائلتي وخاصة ابي في المقام الأول ، كنتُ أحاول أن أشرح لها أن ابي لم يكن مجنداً فاشياً ، ولا هو بطل ، وأنني لا أحبه بطلاً ، بل هو رجل سكير يبحث عن رزقه بالحلال والحرام . كنتُ أكرر لها كلمات أمي المحببة لقلبها بالحرف الواحد ، أبي رجل مسرور ومحب للحياة ، عاشق للعربدة الدائمة . كنت أشرح لها أن أبي مات بسبب نقصان في شخصيته لم يمكن اكتماله ، وهذا النقصان هو ما دفعه ليترك أمي وحدها ويتنقل من مكان لآخر بحثا عن اصدقاء العربدة ، أياً كانت وظيفتهم ، ساسة فاشيين ، مؤسسي نقابات أو أحزاب زراعية ، حاملي بنادق ، أبطال . ـ أبوك لم يحمل بندقية في حياته ، لأنه كان يفتقر للافكار السيئة والعظيمة . كان مشهورا فقط في صالات الرقص . لقد فاض الكيل بزوجتي من عائلتي ، حتي من أبي الراحل . وأمي مثل زوجتي ، محقة دائماً ولا تخطيء . وتحققتُ مع مرور الوقت أن زوجتي ليست جديرة بثقتي ، فانفصلنا منذ أربع سنوات . كانت نظرات أمي لزوجتي كثيرة وجارحة ، نظرات تبحث عن العيوب وتخبيء الفضائل ، وتخرج دائمًا بنفس النتيجة الثابتة ، أن زوجتي لا تساوي شيئاً . كانت زوجتي لا تنبس بكلمة في وجود أمي ، لا تعرف سوي الصمت ، فتقول امي : ـ لا أعرف أصامتة لأنها لا تفكر فليس عندها ما تقوله أم أنها تفكر في شيء سيء لا تستطيع قوله ؟ لا أعرف فأحلي الأمرين مر . بالإضافة لذلك ، كانت توجد مشكلة الرائحة ، حيث تشم أمي رائحة غريبة في زوجتي ، ربما نوع من العطور أو الطيب . رائحة زوجتك كالعاهرات - كانت أمي تقول - مشاكلي معها لا عد لها ولا حصر ، فرائحتها منفرة . أعترف انني لم اشم قبل ذلك هذه الرائحة ، ولا أعرف احدا قد شم رائحة غريبة في زوجتي . لكنني كنت أري في مرات كثيرة كيف تعقد أمي حاجبيها وتسد أنفها بيدها بمجرد أن تمر زوجتي بجانبها ، بل وتجبرني أن أتشمم هذه الرائحة . - لكنك لم تشمي من قبل رائحة عاهرات! - بل شممتها في أبيك مرات كثيرات . استلمت أمي شريط الفيديو القادم لها من إيطاليا ورفضت أن تشاهده . في هذا الشريط اعتقدت اسبرانثا ، صديقة أمي البعيدة ، أنها قد تعرفت علي هوية أبي ، فهي قد رأته في عجالة ما بين سنة 35 و 1936 ، ثم وجدت صورته بعد ذلك معلقة علي الأبواب وحوائط بيت العائلة . لم ترغب أمي في مشاهدة الفيلم ، لأنه بدا لها مستحيلاً أن يصور أحد أبي قبل موته بساعات ، فالمغتالون أنفسهم ، الذين قتلوا أبي ، كما قالت أمي ، كسروا الكاميرات ليمسحوا آثار الجريمة . كان من الصعب اقناع أمي بالجلوس أمام شاشة التليفزيون ، لكن الواجب فرض نفسه . اعتقد أنها وافقت علي مشاهدة الفيلم كما وافقت علي التعرف علي الجثة داخل النعش . أخيرا جلست أمام التليفزيون كأداء واجب . كانت تحمل نفس الوجه بنفس الانفعالات التي ترسمها عندما كانت تقدم لي الفواتير أو الخطابات التي تأتي باسمي أو باسمها : وجه واع بكم القوة التي يستهلكها ، واع لنظرات الآخرين . ورغم أن أمي كانت ترد علي خطاباتها بنفسها ، إلا أنها كانت تطلب مني أن أراجع لها الفواتير والحسابات . أنا أخصائي في الطب الإشعاعي ، وصلتُ لذلك بفضل أمي التي سهرت عليّ بعد ممات أبي ، فدفعتْ لي المصاريف الدراسية ، ثم تخلت عني بعد ذلك ، فحملتني مصاريف البيت ووضعتني في مشكلات لا نهاية لها مع البقال والسباك وزملائي الأطباء والخادمات ومأموري الضرائب والكوافيرة ، بل حتي مع المسئولين عن إنشاء مدفن خاص لها ومحصلي أموال هذا المدفن والمشاركين معها ، ومع الجيران وأصدقائي القدامي وأقاربنا . كانت الحياة مع أمي تشبه الشارع الممتليء بحوار متعرجة ، بالمتاهة التي لا نهاية لها ، فكلها حسابات مجهدة ومتكدسة بالديون المؤجلة من يوم لآخر خلال ثلاثين أو أربعين عاماً . كانت حياتنا مجموعة مشاكل تقطع علينا الحلم . كانت كما الحجر الثقيل الذي أتحمله وحدي فوق رأسي ، وداخل هذه الرأس حجر آخر أكبر وأكثر ازعاجا . - مشاكلي لا عد لها ولا حصر . تركتني زوجتي لأنها لم تحتمل نظراتي إليها ، رغم أني لا أعرف كيف كنت أنظر إليها . ربما السهر والضيق شوها وجهي ونظراتي . ضيق جعلني ألتفت إلي رائحتها التي اكتشفتها أمي ولم أشمها أنا بنفسي . تنبأت لي العرافة أنني سأقتل أمي ، وهذه النظرة إلي المستقبل أدهشتني وأرهبتني . كانت العرافة تبدو متخصصة وصادقة ، وحكت لي كثيرا عما حدث في سنوات عمري الماضية ، وصدقت . أعترف أنني لا أؤمن بالعرافات ، فأنا أفكر بطريقة علمية . صعدتُُ لبيت العرافة فقط لأن اللافتة المعلقة علي بابها لفتت انتباهي ، فدخلت لأتسلي ولأنسي نفسي قليلا فأخرج بذلك من مشاكلي بكلامها عن مستقبلي ، عن نفسي . فتح لي الباب رجل أعمي قادني لصالة الانتظار ، حيث وجدت امرأة ورجلا تعيسين ، شعرت معهما بالخجل . كان أحدهما ينظر لي . كانت المرأة تحمل كيس نقود قديم باحدي يديها ، بينما لا يملك الرجل شيئا . كانا حزينين ، يحركان شفاههما ويتحدثان بصوت خفيض لئلا يسمعهما أحد . بعد ساعة دخلت للعرافة. كانت صوتًا وظلاً من ضمن الظلال الكثيرة الموجودة في غرفة سفرة عائلة محترمة . كان الضوء منطفئا ، والنوافذ مغلقة ، والستائر مسدلة . الضوء الوحيد كان يأتي من شمعة كبيرة حمراء كائنة فوق المائدة ، بين العرافة وبيني . لم يكن للعرافة عمر ، كانت عبارة عن تمثال من الحجارة . فوق المائدة كانت توجد جريدة لاحظتُ فيها تاريخ اليوم ، لكن منذ ثلاثين عاما مضت أو ثلاثين قادمة . مدتْ العرفة الجريدة للرجل الأعمي ، الذي فتح لي باب البيت ، والآن يجلس علي مقعد من البلاستك ، علي حافة بار يقع علي يمين العرافة ، علي بعد متر منها ، مرتديا نظارة سوداء في ظل الشمعة الحمراء . ضربته العرافة بالجريدة في ذراعه، فمد يده وأخذ الجريدة وتركها علي الأرض ، ثم سكن ، ربما نام ، ربما مات ، دون أن يخلع نظارته . نظرت لي العرافة بتركيز ، أغمضت عينيها قليلاً كما لو تبحث عني في ذاكرتها وتريد أن تستحضرني بدقة . صار وجه الصنم أكثر رقة . رأت فيّ شيئاً استطاع أن يحرك مشاعرها ، شربنا فنجاني شاي . لم يكن هناك شاي من أجل الأعمي الذي لا يتحدث ، بل ولا حتي يهتم بوجودنا في الغرفة معه . لم يهتم أيضا أن يسمع تنبؤات العرافة الجريئة . حينئذ تنبأت لي العرافة انني سأقتل أمي ، فأدهشتني . كانت غير قادرة علي الخطأ ، فحكت لي أنني كنت ممثلاً سينمائياً وأنا طفل صغير ، وحكت لي عن يوم زفافي وزواجي من نائبة بالمجلس المحلي ، كما حكت لي عن طلاقي وعن وظيفتي في الطب الاشعاعي . وهكذا أرعبني مستقبلي المستحيل الذي لا يصدق ، والذي تكهنت به . حاولتُ أن أشعل سيجارة ، لكن يدي كانت ترتعش بشدة . ظللت أسبوعاً كاملاً أنام بشكل مضطرب ، أنتقل من مكان لاخر بلا طعام ، كما الصائم ، وأصبحتُ أسمع باستمرار صوت النبوءة يرن في أذني حتي تدمرت أعصابي ، وقد ساعدت أمي في هذا التدمير ذات ليلة عندما اجتمعنا في غرفة السفرة وبصحبتنا صديقتها الايطالية البعيدة ، لنشاهد صور أبي الأخيرة في شريط فيديو . قالت أمي : - من المستحيل أن يكون اميليو في هذا الفيلم ، فهو رجل تافه ، فلو خرج أنوخوسا أو لافارجا لن أندهش ، فهما بطلان لهما شخصيتهما وأفكارهما ، لذلك اغتيلا بسبب، لكن أن يطل علينا اميليو فهذا مستحيل . لم أر أبي قبل ذلك ، فقد ولدتُ بعد موته ، لكنني شاهدتُ صوره الفوتوغرافية والمرسومة ، كما رأيت صوري لسنوات طوال ، ورأيت وجهي في المرآة وفي عيني أمي وعيني زوجتي . وعندما شاهدت الفيلم ، رأيت شبحا رماديا وأصفر ، رأيت روحا بلا جسد . شبحا شاحبا ، مهتزا ، محروق الوجه ، مرسوما بالتجاعيد . رأيت شبحا لشبح قد مات منذ سنوات كثيرة ، رأيت نفسي بكل ما فيها من تفاصيل . صرخت صديقة أمي : - إنه اميليو ، انظري! كان رجلا مشعا بالشباب ، أكثر شبابا مني الآن . كان سعيدا يوم وفاته بشكل لا يمكن تفسيره . كان يضع معطفا علي كتفه رغم حرارة الجو المرتفعة . كان أحد كمي قميصه مشمرا حتي الكوع ، بينما كان الآخر مفرودا حتي رسغه . كان أشعث الشعر ، طويل اللحية . كان وجهه متجاسرا بين وجوه أخري متجاسرة مثله ، وكانت يداه تغطي احيانا هذا الوجه ، الذي فوجيء بما هو فيه ، فوجيء بأنهم أخذوه بالقوة من بار أو صالة رقص ليدفع حياته ثمنا . كان ينظر للأرض كما لو أنه يقرأ مستقبله فيها ، مستقبلا كان ينتظره ، لكنه استعاد نفسه سريعا ونظر للكاميرا ، بحاجبين مقطبين ، وفتح عينيه بافراط وتظاهر بابتسامة أظهرت أسنانه ، وكان منظره يوحي بالسب لا بالفرح . - هذا ليس زوجي ، ليس اميليو ، زوجي لا يعطي هذا الانطباع الأبله ، زوجي له وجه قبيح وسوقي ، كما أن أنفه تختلف عن هذه الأنف . تحدثت أمي ، نهضت بمجهود كبير ، خرجت من غرفة السفرة وهي تجر قدميها ذات السبعين عاما . تبادلنا النظر أنا وصديقتها ، التي قالت بعينين مليئتين بالدموع : - إنه أبوك ، أنا أتذكره جيدا ، كان جميلا . كنت أفكر حينها في وجهي القبيح السوقي وفي أنفي ، بينما كانت الطائرات في الفيلم تقصف المدينة . حاولت أن أشعل سيجارة لكن نبضي كان يرتجف ، وانطفأت الولاعة كما انطفأت في بيت العرافة . نهض الرجل الجالس عن يمين عرافتي ، ابتعد عن الجريدة لكيلا لا يطأها . اقترب مني ، أشعل سيجارتي ، لم يكن الأعمي أعمي ، واستمرت العرافة في سرد نبوءتها الغريبة . - تبدو لك نبوءتي أكذوبة ، لكنك ستقتل أمك ، ولن تصدق أنك قتلتها . لن تعرف الراحة بعدها ، ستسلم نفسك للشرطة ، بعدها ستشعر أنك في سلام . خرجتُ للشارع أشعر بقشعريرة في جسدي ، كان صباح يوم من أيام يونيه . دخلت مقهي يسمي اليفانتي ، طلبتُ زجاجة بيرة . أمسكت الجريدة بيد مرتعشة . فكرت في هراء العرافة التي تتنبأ بجرائم مستقبلية مستحيلة الوقوع ، وتسهب في الكلام عن حقائق ماضية . معها ، كنت أعيش بين الماضي والمستقبل ، كما لو كنا نحيا بين دقيقتين . للعرافة مقدرة غريبة علي سبق الزمن أو التأخر عنه عدة ساعات ، أيام أو شهور ، ومقدرة أن تعرف المستقبل وتتكهن بالماضي ، دون أن تهتم بما يشغلني ، دون أن تهتم بتقديم ساعتي أو تأخيرها عدة ثوان ، لقد التبس عليّ الأمر . فالعرافة لم تخلط المستقبل بالماضي كمن يخلط الحادية عشر بالحادية عشر وخمس دقائق . فتحتُ الجريدة ، نفس الجريدة التي كنت قد رأيتها علي مائدة العرافة بالقرب من قدمي الأعمي الذي لم يكن أعمي . في الصفحة السابعة والعشرين كانت صورتي في إنتظاري ، برفقة قصتي ، وفيلمي المشهور ، الذي قمت فيه بدور الطفل يسوع . قصة زواجي الفاشل بنائبة المجلس المحلي ، وظيفتي . كانوا يبحثون عني بعد أن وجدوا جثة أمي منذ ثمان وأربعين ساعة ، وربما منذ خمسة أيام . كانت رأسها مهشمة بالشاكوش . أدهشتني فكرة ان العرافة والأعمي قد نعرّفا علي صورتي رغم أن الصورة المعروضة في الجريدة كانت قديمة ورسمية ، عندما كنت اعمل نائبا لأمين صندوق جمعية الأطباء الاشعاعيين ، عندما كنت رجلا محترما ، لا أقضي أربعة أيام بلا نوم ، وبلا حلق لحية ، وبلا طعام . عندما كانت امي تعتني بي .
ت/ احمد عبد اللطيف

جديد

«حصن التراب»: من ضيق الميلودراما إلى رحابة التاريخ

إبراهبيم عادل زيد   يعّرف «أحمد عبد اللطيف» روايته الجديدة «حصن التراب» بأنها (حكاية عائلة موريسكية). ولأول وهلة قد يبدو الحديث ...