الخميس، يونيو 12، 2008

ابراهيم أصلان

العجوز والصرافة الشابة الإثنين 21 مايو الاهرام المصرية إبراهيم أصلان
الكاتب‏(‏ خوان خوسيه مياس‏)‏ أحد أبرز الكتاب الأسبان المعاصرين‏.‏ له مجموعة من الروايات والقصص القصيرة التي ابتدع لها شكلا يراوح بين القصة والمقالة‏,‏ وهو عندما بدأت الحرب الاسرائيلية علي لبنان كتب مقالا يختزل الحرب كلها في شخصية مانيكان كانت ترتدي فستان عرسها عندما قطعت إحدي القنابل رأسها وفصلتها عن جسمها‏,‏ وراح يقول إن هذه المانيكان التي كانت تهرب‏,‏ قبل المعركة من شارع إلي آخر‏:‏ لم تعد بحاجة إلي وجه لكي يعبر عن مدي الرعب الذي ينتابه‏,‏ فبالرغم من أنه وجه بلا عينين إلا أننا نستطيع أن نري الخوف في حدقتين‏,‏ وبالرغم من أنه بلا فم‏,‏ فإنه يحمل إنذارا مرسوما فوق شفتين‏,‏ واليدان المقطوعتان تطيران أمامه مثل عصفورين مذعورين من الصراخ الخارج من حنجرة ذبيحة‏..‏ هذا الكاتب‏,‏ صدرت له مؤخرا واحدة من أحدث رواياته بعنوان‏(‏ لاورا وخوليو‏)‏ نقلها إلي العربية أحمد عبداللطيف‏,‏ وصدرت عن قطاع الثقافة بمؤسسة أخبار اليوم‏,‏ وهي رواية شديدة الغني والتكثيف وتقوم بشكل أساسي‏,‏ ربما‏,‏ علي الثالوث الشائع‏:‏ الزوج والزوجة والصديق وهي تفعل ذلك علي نحو غير مطروق‏,‏ والزوج‏(‏ خوليو‏)‏ يعمل مهندسا للديكور وعلي هذا فهو مكلف بإعداد ديكور فيلم يتم إعداده داخل نص الرواية‏,‏ هذا الفيلم‏,‏ وليس الرواية‏,‏ وهو ما أريد أن أحدثك عنه الآن‏.‏ الفيلم يتناول علاقة تنشأ بين صرافة شابة تعمل في سوبر ماركت وبين سيدة عجوز لها جسد كالعصفور‏.‏ إنها تشتري كل يوم رغيف خبز وعلبتي زبادي‏,‏ وساعة الدفع كانت تختار أن تقف في الصف الذي يؤدي لهذه الصرافة الشابة‏.‏ وسرعان ما نشأت بينهما حالة من الود والصداقة الصامتة‏,‏ وذات يوم‏,‏ وبعد أن وضعت العجوز ما اشترته في حقيبتها‏,‏ سلمت للشابة مظروفا ما إن فتحته حتي وجدت به مفاتيح بيت العجوز‏,‏ كما وجدت ورقة كتبت فيها تقول‏,‏ فضلا عن عنوان بيتها القريب‏:‏ إذا لم آت ذات يوم لشراء احتياجاتي فالسبب سيكون وفاتي‏,‏ وفي هذا اليوم أدخلي بيتي‏,‏ خذي كل ما يعجبك كذكري‏,‏ وبعد ذلك بلغي الشرطة ليدفنوني كما ينبغي‏,‏ قبل أن يتعفن جسدي‏.‏ ومرت الأيام والعجوز تظهر في موعدها‏.‏ لقد توطدت علاقتهما‏.‏ وبينما الصرافة الشابة تضع المشتريات علي جهاز كشف السعر‏,‏ كانا يتحدثان عن الحياة والصحة والزمن‏.‏ وكانت العجوز تشتري كل يوم أقل من سابقه‏,‏ كأن صحتها تسوء مثلا أو احتياجاتها تقل‏,‏ من دون أن تشيرا أبدا إلي الاتفاق الذي تم بينهما‏.‏ أخيرا‏,‏ اختفت العجوز‏.‏ وأنهت الصرافة الشابة ورديتها الأولي والثانية وأغلق السوبر ماركت أبوابه والعجوز مازالت مختفية‏.‏ حينئذ توجهت إلي منزلها القريب‏,‏ ودقت الجرس عدة مرت من دون جدوي‏,‏ حينئذ فتحت الباب بالمفتاح الذي تحمله‏,‏ ودخلت‏.‏كانت العجوز ميتة فوق كنبة الصالون‏.‏ وكان التليفزيون مشتعلا‏.‏ بعد لحظات الحيرة الأولي تجولت في الشقة وقلبت الأدراج حتي عثرت داخل أحد الدواليب علي حافظة كبيرة من الجلد ممتلئة بالمال‏,‏ لقد كان المبلغ أكبر مما تستطيع أن تتخيل‏.‏ وعندما حملت الحافظة تحت إبطها وهمت بالخروج خيل إليها أن العجوز تتنفس‏,‏ وعندما لمست كتفها برعب‏,‏ عادت العجوز لسكونها‏,‏ حينئذ خرجت بالمال‏,‏ لكنها لم تبلغ الشرطة‏.‏ سيبلغها أحد الجيران عندما تفوح الرائحة في السلم‏.‏ هكذا فكرت‏.‏ لقد انتصر الجشع والحاجة علي ما هو إنساني‏,‏ حتي لو لم تكن العجوز قد ماتت فهي علي وشك ملاقاة أجلها‏,‏ بالإضافة إلي ذلك هي في حال من السكينة ولا تعاني‏.‏ خلال الأيام التالية كانت اشترت شقة هائلة‏,‏ بينما راحت تعاني من صراع بين تأنيب ضميرها ومتعتها بالمال‏.‏ أسبوع وراء آخر‏.‏ فجأة رأت العجوز تدفع عربتها في السوبر ماركت‏,‏ تشتري ما اعتادت شراءه من أكل يشبه أكل العصافير‏.‏ وهي‏,‏ بعدما فعلت‏,‏ اتجهت إلي صف آخر‏,‏ غير الصف الذي يؤدي بها الي الصرافة الشابة‏.‏

جديد

«حصن التراب»: من ضيق الميلودراما إلى رحابة التاريخ

إبراهبيم عادل زيد   يعّرف «أحمد عبد اللطيف» روايته الجديدة «حصن التراب» بأنها (حكاية عائلة موريسكية). ولأول وهلة قد يبدو الحديث ...