الخميس، أبريل 22، 2010

مقال الناقدة المبدغة \هويدا صالح بالقدس العربي عن :صانع المفاتيح

'صانع المفاتيح'  بين الواقعية والتخييل


هويدا صالح



4/22/2010









بعد تجربة طويلة مع الترجمة يفاجئنا الروائي الشاب أحمد عبد اللطيف بروايته الأولى ' صانع المفاتيح' التي صدرت عن دار العين. لقد عرف أحمد عبد اللطيف بترجمته أعمالا ً مميزة من أدب أمريكا اللاتينية وقصصاً من إسبانيا مثل بعض أعمال لماركيز وخوان مياس وايزابيل الليندي وماريو بينديتي وبورخس وكارلوس فوينتس بالإضافة إلى الروائي البرتغالي الأشهر ساراماغو، وتعد روايته ' صانع المفاتيح' تحديا حقيقيا لمن يكتب رواية للمرة الأولى، فقد آثر أن يخوض منطقة شائكة تقف على الحدود البينية بين السرد الواقعي الاجتماعي والسرد الذي يراهن على التخييل والرمزية. الرواية تراهن على كشف الفساد الاجتماعي في قرية رغم أنها غير محددة المعالم بجغرافيا وتاريخ إلا اننا ومع تنامي خطوط السرد نستطيع أن نقول أنها تشير إلى مصر. تغرق القرية في الفساد بشتى أنواعه ويتوصل البطل الرئيسي في الرواية إلى حل فنتازي ليستطيع أن يتحمل كل هذا الفساد الذي تغرق فيه القرية، فيصنع مفتاحا للسمع حتى يتمكن من معايشة هذا الفساد، وحين يعلم أهل القرية بمفتاح السمع هذا يتهافتون عليه شغوفين على غلق سمعهم جميعا ليستطيعوا مواجهة الحياة تلك. هي فكرة فلسفية فانتازية، وحل تخييلي يكشف به الكاتب فساد الواقع حتى لا يتحول نصه إلى منشور سياسي صارخ يعنى بكشف الفساد فقط. إذن الفنتازيا كانت حلا، لكي لا يقع في فخ المباشرة التي تفرضها طبيعة هذا الموضوع الاجتماعي :' عندما تفقد حاسة السمع أو تغلقها، كما في حالتي، تصبح أكثر تأملا، فتسير أفكارك في طريق مستقيم، وتصل للنهاية في أقل وقت ممكن، يتيح لك الصمم المساحة الكافية للتركيز، فتنتقل قدما الفكرة في سلاسة، وتخترق أمكنة جديدة، ربما لم تكن تحلم بها. الصمم نعمة لا يقدرها سوى من عاش في ضجيج يقطع الأفكار، يمزقها، يفتتها إلى أجزاء صغيرة لا يمكن بعدها إلمامها، فتبدأ من جديد، وربما لا تبدأ، فتموت أفكارك في المهد. لذا أشعر بسعادة جمة وأنا أسير بالشارع ومنعزل عنه. أطير في عالمي الخاص، وأحلق حول فكرتي عن الله'.

يفيد الكاتب في نصه من تقنيات الرواية الكلاسيكية من حبكة وشخصيات وفلاش باك وراوٍ عليم: أول ما أحب أن أتحدث عنه في الرواية هو الشخصيات التي جاءت نمطية رمزية، لا معالم حقيقية لها، وذلك لأنه راهن على الرمز منذ البداية، فشخصية البطل صانع المفاتيح قدمها باعتباره مخلصا منقذا، وصنع له مصيرا تراجيدايا كما أبطال التراجيديا اليونانية: ' مع الصمم أيقنت أن الله دوما يطل علي، ويراني ،فيجعلني أشعر بعذوبة الماء البارد'.

وجميلة جاءت لترمز للمرأة المستباحة من قبل المجتمع الذكوري الذي يرهن شرفه طوال الوقت بشرف المرأة :' سارت جميلة في طريق بلا قبلة وأحست أنها فقدت زمام حياتها' والدكتور يصلح أن يطلق على أي طبيب غير شريف يمارس تجارة الأعضاء واستغلال الفقراء والضعفاء، حتى أنه لم يعطه اسما، فقط الدكتور وهكذا: ' تحدث الدكتور مع لا للي في أمور المستشفى مكاسبها وأخبارها، وفي العيادة الخاصة به، والتي يأتيه من خلالها في معظم الأحيان، زبائن المستشفى، وهو البزنس الحقيقي'.

أما الزمن فقد افاد فيه الكاتب من لعبة الفلاش باك أو الرجوع بالزمن للوارء لاستعراض تاريخ الشخصيات، كما أفاد من تقنية الزمن الاستشرافي الاستباقي، في حين جاء الضمير المهيمن على السرد هو الرواي العليم الذي يعرف كل شيء إضافة إلى سارد آخر هو البطل، فصار السرد يتناوبه ضميران، ضمير الهو أو الراوي العليم، وضمير الأنا أو صانع المفاتيح.

اللغة في الرواية تتميز برصانتها وصحتها، فهي لغة نظيفة وهادئة، يحسن فيها الكاتب الوصف، ويتقن وبفنية عالية رسم المشهد ،فاللغة المشهدية تكثر عبر السرد: ' وقف على باب البيت يرقبهم كانوا جميعا بعيون مفتوحة، بعضهم يرتدي ملابسه، والبعض يمسح حذاءه، وبعض ثالث يعد طعاما، وقبل أن يصرخ صرخة مدوية ليطردهم وجد زوجته واقفة على باب غرفة النوم، بجلبابها الطويل، وتقول بكل هدوء: الم أخبرك أنك تسير نائما؟ انتبه بشدة، نظر حوله، فلم يجد أحدا سواها، فهرول إلى مرآة الحمام، نظر لملبسه، بشعره الأشعث، وبحث في وجهه عن شخص كان يعرفه من زمن، فلم يجده'.

عمود السرد في هذا النص هو صانع المفاتيح، الذي يقوم بتقديم الحل السحري للقرية حتى تستمر، كما يقوم بالتأمل والتفكير والتدوين، وكأنه صار ذاكرة القرية، وصوت عقلها، ووسيلة معرفتها، هو يشبه الأنبياء، تنبأت العرافة بقدره منذ أن كان طفلا، وحتما لم يكن طفلا عاديا، فقد صنع له تاريخا أسطوريا، يليق بشخصية المخلص: ' من قال أنه بركة، وان وجوده في بيت ما يزيده خيرا، وهناك من بالغ وشعر أن به من صفات النبوة شيئا، دون أن يصرحوا بذلك بالطبع، وربما حدث كل ذلك لأنه جاء متأخرا بعد زواج طويل، وربما لحسن سيرة أبيه وحلاوة لسانه بين اهل القرية ،..وربما أيضا لأن جماله خطف قلوب من رأوه'.

والأمر لم يتوقف بالكاتب على أن يجد حل مفتاح السمع ليجعل الناس تتعايش مع الوضع الراهن، بل فكر في أن يصنع لأهل القرية مفتاحا للبصر، وآخر للكلام. أورد الكاتب في متن سرده كل ما نعاني منه من مشكلات مجتمعية ما بين الفساد والراديكالية الدينية، والتآمر الخارجي، والمدهش أن السلطة في الرواية جاءت مهمشة لا صوت لها ولا نفاذ لقرارتها، كأنه يؤكد أن ما يحدث في قريته الرمزية تلك إن هو إلا نتيجة فعلية لغياب السلطة أو تهميشها وتوقيف فاعليتها.

في النهاية حبكة هذ النص، وتماسكه ولغته الرصينة والخالية غالبا من الأخطاء تنبئ وبشكل كبير عن ميلاد روائي سيكون له بصمته في المشهد الروائي.

الكتاب: صانع المفاتيح

الكاتب: أحمد عبد اللطيف

دار النشر: دار العين

عدد الصفحات: 123 صفحة من القطع المتوسط.

هويدا صالح
كاتبة من مصر

لقراءة المقال بالقدس العربي


http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=today\22qpt85.htm&storytitle=ff'صانع%20المفاتيح'%20رواية%20لأحمد%20عبد%20اللطيف:%20بين%20الواقعية%20والتخييل%20fff&storytitleb=هويدا%20صالح%20&storytitlec=




جديد

«حصن التراب»: من ضيق الميلودراما إلى رحابة التاريخ

إبراهبيم عادل زيد   يعّرف «أحمد عبد اللطيف» روايته الجديدة «حصن التراب» بأنها (حكاية عائلة موريسكية). ولأول وهلة قد يبدو الحديث ...