الثلاثاء، فبراير 24، 2009

حياتي مع موجة . أوكتابيو باث

حياتي مع موجة
أوكتابيو باث عندما ودعتُ هذا البحر ، تقدمتْ نحوي موجة من بين الأمواج . كانت رشيقة وخفيفة . تقدمتْ رغم صرخات الأمواج الأخري ، التي كانت تعوق خطوتها ، وتعلقتْ بذراعي وسارتْ تتقافز معي . لم أشأ أن أقول لها شيئاً قد يجرح شعورها أمام زميلاتها ، كما أنني وقفتُ عاجزاً أمام نظرات الأمواج الكبيرة الغاضبة . شرحتُ لها ، بمجرد أن وصلنا للمدينة ، أن وجودها معي مستحيل ، لأن الحياة في المدينة ليست كما تتخيلها موجة ساذجة لم تخرج من قبل من بحرها . فنظرتْ لي نظرة حادة ، " لقد اتخذت قراري ولن أرجع فيه " . حاولت معها بالحسني والقسوة ، وبالسخرية . فبكت حيناً ، وصرختْ حيناً ، ولاطفتني حيناً ، وهددتني أحيانا أخري . فلم أجد مفرا من أن أطلب منها المغفرة . وفي اليوم التالي بدأت أحزاني ، فكيف لي أن أصعد بها قطاراً دون أن يرانا السائق والركاب ورجل الشرطة ، حقا ان القوانين لا تحرم اصطحاب الأمواج ، لكنه تصرف ينقصه الحيطة . بعد تفكير طويل ، توجهتُ لمحطة القطار قبل إقلاعه بساعة . جلست علي مقعدي ، وحين تحققتُ أن لا أحد يراني ، أفرغتُ كولدير المياه الخاص بالمسافرين ، وبعدها أفرغتها هي في هذا الكولدير . بعد قليل ، أعلن أحد الأطفال عطشه لأبويه بكل ضجيج . فقطعتُ عليهم الطريق ووعدتهم باحضار عصائر ليمون ومرطبات . وكانوا علي وشك أن يوافقوا عندما اقتربت سيدة أخري وأعلنت عطشها . فأردت أن أدعوها هي الأخري ، وأبدت موافقتها التي تراجعت فيها عقب تلقيها نظرة صارمة من رفيقها . فأخذتْ كوبا من البلاستك واقتربتْ من كولدير الماء . فتحتْ الحنفية حتي امتلأ الكوب لمنتصفه ، فقفزت ووقفتُ بينها وبين صديقتي الموجة . نظرت لي السيدة بذهول ، وبينما كنتُ أطلب المعذرة ، عاد أحد الأطفال لفتح الحنفية ، فأغلقتها بعنف . وضعتْ السيدة كوب الماء علي شفتيها ، " ياله من ماء مالح! " . فنهض أحد الركاب ، نادي للسائق ، " هذا الرجل ألقي ماءً مالحاً في الكولدير " . فنادي السائق للمفتش ، " ماذا ألقيت في الماء ؟ " . ونادي المفتش لرجل الشرطة الذي سألني ، " هل القيت حضرتك سماً في الماء ؟ " . ونادي الشرطي بدوره للرائد ، " هل أنت الذي سممت الماء ؟ . ونادي الرائد لثلاثة ضباط ساقوني وحيدا في عربة قطار ، بين لمزات وغمزات الركاب . وفي أول محطة انزلوني ، وسحبوني دفعاً إلي الحجز . وخلال ذلك لم يتحدثوا مع ، إلا فيما يخص الإستجواب . وعندما كنت أقص حالتي ، لم يكونوا يصدقونني ، ولا حتي السجان الذي كان يهز رأسه قائلا : الأمر خطير ، جد خطير ، ألم ترغب أن تسمم الأطفال! . وذات ظهيرة عرضوني علي النيابة ، " أنت في موقف صعب ، سأعرضك علي القاضي الجنائي ، وهذا أمر طبيعي " . وفي النهاية صدر حكما مخففا لعدم وجود ضحايا . وبعد ذلك جاء يوم الإفراج عني ، فجاء رئيس السجن ، " إفراج ، أنت محظوظ ، والحمد لله أنه لم تحدث كوارث بفعلتك ، لكنك لو كررتها ستدفع الثمن غالياً " . ونظر لي نظرة حادة تشبه نظرات الآخرين لي . في نفس هذا اليوم ركبتُ القطار ، وبعد ساعات من السفر المضني وصلتُ المكسيك ، . أخذتُ تاكسي وتوجهت لبيتي . وعند وصولي لباب بيتي تطرق لأذني ضحك وغناء ، وشعرت بألم في صدري ، يشبه ضربة موجة مفاجئة . كانت صديقتي الموجة هناك ، تغني وتضحك كعادتها . " كيف أمكنكِ العودة ؟ ". "بكل سهولة ، في قطار ، فبعد أن تحقق شخص أنني لست إلا ماءً مالحا ، ألقي بي من نافذة العربة . وعشتُ رحلة مضطربة ، حيث وجدت نفسي ، بعد تعب ، في البحر . وسريعا تبخرتُ ، ثم سقطت مطرا رقيقا ، وفقدتُ كثيرا من وزني . كم قطرة فقدتُ! ". " أتعلمين أن وجودك غيّر حياتي ، لقد امتلأ البيت بهجة بعد أن كانت ممراته سوداء ، وأمتلأ هواءً وشمساً وأصواتاً وأضواءً خضراء وزرقاء ، لقد صار بيتا سعيداً مبتهجاً " . من كم موجة تتكون الأمواج ؟ ، كيف يمكن صنع شاطيء أو صخرة أو حائل موج أو سور ، أو صدر أو جبهة تتوج بزبد البحر ؟ . لقد كانت أصابع الموجة الرقيقة تلمس الأركان المهجورة ، وأركان الغبار الحقيرة ، والحطام . كل شيئ هنا شرع في الابتسام ، ورأيت أخيرا اسنانها البيضاء تلمع . كانت الشمس تدخل الغرف القديمة ، وتبقي في البيت لعدة ساعات بعد أن تهجر كل البيوت الأخري ، كل الحي ، كل المدينة والبلد . وفي ليال كثيرة ، في عمق الليل ، كانت النجوم المبهرة تراها تخرج من البيت ، في الخفاء . كان العشق لعبة ، إبداعا مستمراً . كان العالم شاطئا ، رمالا ، سريرا من الملاءات المبللة باستمرار . وعندما كنت أعانقها ، كانت تنتصب برشاقة لا يمكن تصديقها ، مثل ساق سائل لشجرة الحور ، وفجأة تزدهر هذه الرشاقة وتشكل دفقة من ريش أبيض ، من ضحكات تسقط فوق رأسي وظهري فتغطيني بالبياض . كانت تتسع أمامي ، مثل الأفق ، حتي تشكلني انا أفقا ، وصمتا . كانت تغلفني بشكل كامل وملتوي ، كما الموسيقي وكما الشفاه العملاقة . كان حضورها يشبه حركة اللمس ذهابا وايابا ، كان يشبه الهمسات ، القبلات . كنت أسبح في مياهها ، وأغرق لمنتصفي ، وفي غمضة عين أجدني أعتليها ، فأشعر بدوار ، ويحدث سقوطي الغامض كاللغز ، فأصير كما الحجر ، وأشعر بنعومة تحملني لمكان جاف ، وكأنني ريشة . لا شيئ أبدا يضاهي نومي غارقا في مياهها ، سوي أن استيقظ علي ضرباتها المبهجة التي تشبه ضربات سوط رقيق ، تضرب وتضحك فتضحكني . لكنني أبداً لم أصل لعمق كينونتها ، أبداً لا ألمس عقدة ألمها وموتها . ربما لأن الأمواج لا تتمتع بهذا المكان السري الذي يعطب ويضل مثل النساء ، هذا الزر الكهربائي الصغير الذي يربط الأشياء ، والذي يتشنج ويرقد ، ثم ينهض بعد ذلك . إن رهافة أحساس الموجة ، كرهافة المرأة ، يذاع في شكل موجات ، لكنها ليست موجات داخلية ، بل خارجية ، تمتد في كل مرة نحو البعيد ، حتي تلمس نجوما أخري . إن عشق الموجة نوع من استمرارية العشق القديم الذي يهز النجوم البعيدة ، التي لا يرتاب فيها . لكن مركزها ... لا ، الموجة لا مركز لها ، فمركزها فراغ يشبه فراغ العاصفة التي تمصني وتخنقني . عندما يميل الواحد منا علي الآخر ، كنا نتبادل الثقة ، التهامس ، الضحكات . وعندما كانت تضع بيضها ، كان يتساقط فوق صدري ، وهناك كان يزدهر كنبتة من الهمسات . كانت تغني في أذني ، كما الودع . كانت تتخلق بالتواضع والشفافية ، فتسير تحت قدمي مثل حيوان صغير ، فهي مياه ناعمة . كانت صافية لدرجة يمكن معها أن تقرأ كل أفكارها ، وفي ليال بعينها كان يتغطي جلدها بالفوسفور ، فيشبه عناقها حينئذ عناق قطعة من الليل ، موشومة بالنار . لكنها ايضا كانت تتخذ الأسود لونا ، والمرارة طعما ، وفي أوقات غير متوقعة كانت تخور وتتنهد ، وتتلوي . وتطلق نهنهات توقظ بها الجيران . وعند سماعها ، كانت رياح البحر تشرع في خدش باب بيتي ، أو تهذي بأصوات عالية معترضة ، إنه موج هائج . كانت الأيام المغيمة تغضبها ، فتمضي تكسر الأثاث ، وتطلق الشتائم ، وتكيل لي السباب ، وتغطيني بزبد رمادي وأخضر . كانت تبصق ، تبكي ، تستحلف لي ، وتتنبأ بالشر . كما كانت تخضع للقمر والنجوم ، ولتأثير ضوء عوالم أخري ، ويتغير مزاجها بطريقة تبدو معها خيالية ، وتصير مدا وجزراً . بدأت تشكو من العزلة . فملأت لها البيت ودعا وصدفا ومراكب شراعية صغيرة ، تستخدمها في أيام غضبها لتغرقها ( بالأضافة لأشياء أخري مليئة بالصور ، كانت تخرج من جبهتي ليلا وتغرق في أعاصيرها المرحة ) . كم من الكنوز الصغيرة فقدنا في هذه الأيام! . لكن مراكبي لم تكن تكفيها ، ولا حتي غناء الصدف الصامت . أعترف أنني امتلكتني الغيرة عندما رأيت مخلوقات تسبح في مياه صديقتي الموجة ، مخلوقات تلمس صدرها ، تنام بين فخذيها ، تزين ضفيرتها بألوان مختلفة . من بين هذه المخلوقات كانت أسماك بغيضة ، كريهة ، أسماك تشبه النمور ، بعيون وقحة وأفواه شرهة ومتوحشة . لا أعرف لماذا كانت صديقتي تستلذ باللعب معها ، وتظهر لها أفضلية خاصة أريد أن أتجاهل مقدارها . وكانت تقضي ساعات طويلة محبوسة مع تلك المخلوقات الفظيعة . وذات يوم ، ضاق صدري ولم أحتمل ، فكسرت عليها الحوض وألقيت بنفسي فوقها . كانت أسماك رشيقة وشبحية . هربت من بين يدي ، بينما كانت صديقتي تضحك وتضربني لتثنيني عن مرادي . شعرت في لحظة أنني أغرق . وعندما كنت علي وشك الموت ، بعد أن ازرق وجهي ، وضعتني علي الضفة ، وبدأت تقبلني ، بكل خضوع . وفي نفس هذه اللحظات كنت أغمض عيني هربا من الشهوانية ، فصوتها كان عذبا ، وحكاويها كانت تدور حول الموت اللذيذ الذي يشعره الغرقي . بدأت أخشاها وأكرهها بمجرد أن استرددت عافيتي . وبدأت أتجاهل أمورها ، كما بدأت في زياراتي لأصدقائي واستأنفت علاقات قديمة محبوبة . وعثرت علي إحدي صديقات شبابي ، وبعد ان جعلتها تقسم أن تحفظ سري ، رويت لها حياتي مع الموجة . لا شيئ يحرك مشاعر النساء مثل أن تهبها إمكانية أن تنقذ رجلا . حاولت مخلصتي ممارسة كل أنواع الفنون ، لكن ماذا بوسع امرأة أن تفعل ، وهي مالكة لعدد محدود من الأرواح والأجساد ، أمام صديقتي الموجة ، المتغيرة دوما ، ودوما لا تشبه سوي نفسها في تحولها المستمر ؟ . وجاءت الشتاء ، وصارت السماء رمادية ، وسقط الضباب فوق المدينة ، وأمطرت مطرا غزيرا مجمدا ، وكانت صديقتي تصرخ كل ليلة . كانت تنعزل في ساعات النهار ، بهدوء ورصانة ، فلا تنطق سوي مقطع واحد مثل عجوز تحتضر في ركن ما . وصارت باردة ، فصار النوم معها يجمد الدم ويكسر العظم ، ويدغدغ الأفكار . وصار الدخول فيها مستحيلا . وأنا كنت قد اعتدت الخروج ، وصار غيابي طويلا وممتدا . بينما كانت هي تعوي في ركنها ، تلامس الجدران ، تقضي ليلها ساهرة ، تلومني . خلال ذلك ، كانت مناماتي كوابيسا ، أتشاجر فيها مع الشمس ، مع قطعة كبيرة من الثلج ، وكنت ابحر فيها تحت سماء سوداء في ليال طويلة مثل الشعور ، كانت تسبني وتلعنني وتضحك ، وكانت تملأ البيت بقهقهات وأشباح . كانت تستدعي الحيوانات الخرافية من تحت الأرض ، فكانت حيوانات عمياء ، سريعة ، بطيئة الفهم . ولأنها مشحونة بكهرباء كان تسحق من يلمسها . وهكذا صار ذراع موجتي الحنون خشنا يخنقني ، يضربني ، يضربني ، يضربني . فهربتُ . وظلت الأسماك الفظيعة تضحك ضحكتها الوحشية . وهناك ، في أعالي الجبال وبين الصنوبر والمهالك ، تنفستُ هواء رطبا ورقيقا مثل فكرة وجدت حريتها . وبعد شهر عدتُ . بعد أن قررت ما قررت . كان الطقس باردا ، جدا لدرجة أنني وجدت فوق رخام المدخنة ، بجانب النار المنطفئة ، تمثالا من الثلج . لم يحركني جمالها الرقيق . فألقيت بها ، بموجتي ، في جوال كبير من الخيش ، وخرجت للشارع أحمله علي كاهلي . وفي مطعم بضواحي المدينة بعتها لصديق ، سريعا ما قطعها لقطع صغيرة في شكل مكعبات ، ووضع بينها ، بين موجتي ، زجاجات لتحتفظ ببرودتها .
أوكتابيو باث : شاعر المكسيك الأعظم ، ووحيدها حتي الآن الحائز علي نوبل . ولد سنة 1914 ، وعمل في السلك الدبلوماسي ، واستقال من منصبه كسفير للمكسيك في الهند احتجاجا علي قمع السلطات المكسيكية للحركة الطلابية المنادية بالحرية . كتب الشعر والقصة والمقال الانساني والنقد الأدبي . ومن أشهر أقواله : إن شعبا بلا شعر هو شعب بلا روح ، وأمة بلا نقد هي أمة عمياء .

نشرت بأخبار الأدب

السبت، فبراير 07، 2009

قصة : سأموت غدا . خوان مياس

سأموت غدا لا أدري في أية لحظة في اليوم انتبهت أنني في يوم الخميس ، مع أن الباقين مازالوا في يوم الأربعاء . لكن ذلك حدث لي مرات عديدة ، ولم أعره إهتماماً . فهناك أسابيع يود الواحد منا أن تنتهي سريعا ، فيقص منها يوماً . مشكلتي بدأت بالتحديد يوم سبت . حيث انني وزوجتي اعتدنا ان نذهب للسينما ونتناول عشاءنا بالخارج ، وأحيانا ندعو صديقا وزوجته ليصطحبانا . حينئذ اقترحتُ علي زوجتي أن تهاتف عائلة جوتيريث ليخرجا معنا هذا المساء ، فأخبرتني أننا مازلنا في يوم الجمعة . لم انبس بكلمة ، لكنني بقيت حائراً . أنا أعمل في البيت ، فأنا بروجرمر ، وعلاقاتي قليلة بالعالم الخارجي ، وبالتالي لا أثق في أحاسيسي . لذلك ، قبل أن تذهب زوجتي لعملها ( فهي رئيسة قسم العملة الصعبة بأحد البنوك ) نزلتُ لشراء جريدة ، وتحققتُ اننا في يوم السبت . ـ أنظري للجريدة ـ حدثتها ووضعت الجريدة علي ترابيزة المطبخ حيث كانت تتناول فطورها . ـ ماذا يجب أن أنظر ؟ ـ في أي يوم نحن . ـ الجمعة ، 15 أكتوبر . اقتربتُ ونظرتُ من وراء كتفها للتاريخ المكتوب أعلي الجريدة ، ورأيت أنها محقة . لكن عندما ذهبتْ ، وعندما عاودتُ النظر للجريدة ، رأيتُ أننا في يوم السبت 16 أكتوبر . فأدركتُ أنها قرأتْ جريدة الجمعة ، بينما قرأتُ أنا جريدة السبت . بمعني آخر ، ولسبب لا يمكن تفسيره ، كنت اعيش أنا يوما سابقا علي بقية البشر . فقمت ببعض الافعال لأتحقق من ذلك ، فكانت النتيجة أنني فعلا اعيش يوما سابقا . فرويتُ لزوجتي تلك الليلة ، أثناء العشاء ، هذا الأمر . ـ أتعلمين أنني أعيش يوما سابقا علي بقية الناس ؟
نظرتْ لي نظرة تحمل سؤالاً ، فشرحتُ لها بالتفصيل ، وبعد أن أنهيتُ قولي انفجرتْ في الضحك ، ففهمتُ أنها أخذتْ الأمر مأخذ الهزل . فلم ألح ، فأنا نفسي أري أن الأمر لا يُصدَق ، لدرجة أنني بدأتُ أرتاب في حواسي . خلال الأيام التالية ، ظللتُ أركز وأتحقق ، وانتبهتُ أن الأمر حقيقة لا محالة . فقد كنتُ أعرف الأخبار قبل أن يعرفها الناس بيوم ، ورغم أن ذلك يبدو ميزة ، إلا أنه سبّب لي الرعب أيضاً . لقد رأيتُ في جريدة الثلاثاء ، ثلاثائي أنا ، خبر وفاة أمي التي لازالت بالنسبة للباقين حية ترزق . كما رأيتُ خبر نشوب حريق وقيام زلزال قبل أن يحدثا ؛ وزرتُ ابني في المستشفي بعد أن أصيب في حادثة سيارة قبل أن تقع الحادثة . لكنني أيضا رأيتُ أخبارا سعيدة ، لكنني لم أستطع أن أسعد بها في وقتها مع الآخرين . وهكذا ، عندما فازت ابنتنا ، التي درست الطب ، بالتعيين في مستشفي كبير ، كان يجب أن أقاوم رغبتي في مهاتفة العائلة بأكملها لنشر الخبر . بدأتُُ أشرب الخمر . وذات يوم ، عندما كنت في بار بمفردي ، أتجرع كأسي ، جلستْ بجانبي سيدة عزباء ، وبدأنا حوارا ، وبعد قليل اعترفتُ لها بمشكلتي . فأخبرتني أنها يحدث لها أمر شبيه بذلك ، فهي تسبق الناس بيومين لا بيوم واحد . كان هذا اليوم يوم الأربعاء بالنسبة لي ، ويوم الثلاثاء بالنسبة لبقية الناس ، ويوم الخميس بالنسبة لها . ـ اذن ، هل يحدث لقاؤنا هذا اليوم أم غدا ؟ ـ اليوم بالنسبة لك ، والأمس بالنسبة لي . ـ اذن ، بما أنك في الغد ، احكي لي ماذا سيحدث . ـ اليوم سنذهب إلي السرير ـ قالت ـ أنا أسكن هنا بجانب البار ، لكنك ستصاب بسكتة قلبية عندما تبدأ في خلع ملابسك ، وأنا سأحملك وأضعك في الأسانسير ، حيث سيجدونك هناك ميتا صباح الغد . والحقيقة أنهم عثروا عليك بالفعل . وجاءت الشرطة وسألونا جميعا إن كنا نعرفك ، فأنكرنا جميعا معرفتنا بك . ـ اذن ، علينا ألا نذهب لبيتك . ـ قلت باستسلام وثبات ناتج عن الكحول . ـ هيا لقد حان الوقت ـ قالت . خرجنا من البار وذهبنا لشقتها الواقعة في البناية المجاورة للبار علي الناصية . وعندما بدأتُ في خلع ملابسي شعرت بألم شديد في كتفي ، ما لبث أن تسرب لصدري . وعندما انتبهتْ السيدة لحالتي ، ألبستني جاكيتي ، وحملتني للأسانسير ، ورمتني هناك . وقبل أن أموت بلحظة ، استرددت احساسي الطبيعي بالزمن ، ورغم أنني قد مُتُ يوم الأربعاء إلا أنني مازلت أعيش في يوم الثلاثاء . ذهبت للبيت ، حبستُ نفسي في غرفتي ، وشرعتُ في كتابة هذا النص . ولا ألقي بالذنب علي أحد فيما حدث .

نشرت القصة بترجمتي بجريدة أخبار الأدب

جديد

«حصن التراب»: من ضيق الميلودراما إلى رحابة التاريخ

إبراهبيم عادل زيد   يعّرف «أحمد عبد اللطيف» روايته الجديدة «حصن التراب» بأنها (حكاية عائلة موريسكية). ولأول وهلة قد يبدو الحديث ...