الأربعاء، يناير 06، 2010

ساراماجو المثير للجدل







أحمد عبد اللطيف
أخبار الأدب


" ‬هناك من ينكر عليّ حق الحديث عن الرب، لأنني لا أؤمن . وأنا أري أن لديّ كل الحق . أريد أن أتحدث عن الرب لأنه مشكلة تؤثر علي البشر أجمعين ". هكذا عاد الكاتب البرتغالي خوزيه ساراماجو لكتابة موضوع آخر من الموضوعات التي تؤرقه، وهذه المرة مع صورة توراتية غير مرغوبة . " قابيل " هي روايته الأخيرة، التي ستثير غضب بعض القطاعات الكاثوليكية، وهذا ليس بجديد علي الكاتب البرتغالي، ففي 1991 أثار مشكلة كبري بروايته " الإنجيل كما يراه المسيح " وحينها حشدت الحكومة البرتغالية حملتها ضد ساراماجو عند اقتراح اسمه للفوز بالجائزة الأدبية الأوروبية، وكان رئيس الحكومة حينئذ هو المحافظ أنيبال كافاكو سيلفا، الذي صار اليوم رئيس الجمهورية . والفيتو استفز الكاتب، الذي فرض علي نفسه نفيا في جزيرة لنثاروتي الأسبانية، حيث يقيم مع زوجته بيلار دل ريو منذ ذلك الحين .




هل من الممكن أن تعاد نفس القصة مع رواية قابيل ؟ " لا . لقد هاجموا مرة وانتهي الأمر، فلن يعيدوا نفس التجربة، إلا إذا أرادوا الظهور بمظهر البهلوان " قال ساراماجو باقتناع ظاهر . تمت هذه المقابلة في بيته بلنثاروتي، ملجأه الذي يزوره فيه كل أصدقاء من كل مكان . وبعد ساعات قليلة له موعد مع ماريو بارجاس يوسا . وفسر " رواية الإنجيل أثارت ردود الأفعال الأكثر عنفا في القطاعات الكاثوليكية في إيطاليا، وأطلقوا علي المثير للجدل " " وفي رأيي، لا أري سبباً لاثارة غضب الكاثوليكيين من رواية قابيل، فهو لا علاقة له بهم . الكتاب يتحدث عن العهد القديم، ويبدو لي أن الكاثوليكيين لا يقرؤون لا العهد القديم ولا الجديد، نعم لديهم العهد الجديد، وهو نص ظريف به حكايات جميلة . أعتقد أن قابيل ستضايق اليهود، لأن التوراة هو كتابهم . وسيطلقون علي من جديد عدو السامية . لا يهمني . لقد كتبت الرواية التي أريدها وأعتقد أنها عمل أدبي جيد ". هي عمل يعيد كتابة قصة، التوراة، التي يري المؤلف أنها لم تحدث . وهو بالتالي يستخدم عناصر من هذه الحكاية، بابل، سادوم وعمورا، وموسي في سيناء . إذن، ماذا كتبت ؟ عمل خيالي ؟ نعم، لكن خيالي به الكثير من المنطق، وهذا يحدث في كثير من كتبي . فأنا أقترح علي القاريء نقطة بداية قد تبدو عبثية . لكن بعد ذلك تطور الحبكة يأتي دوماً بمنطق خال من الخطأ ". وهل تطمح أن تناطح التوراة ؟ " إطلاقاً، فأنا لا أطمح أن يعتقد القاريء أنه رأي النور بعد قراءة الرواية . فقط أقترح أن يفكر في معتقداته الخاصة وماذا ينتظر منها، الحياة الأبدية ؟ الحكم بالجحيم ؟




في رواية الإنجيل المثيرة للجدل، أنسن ساراماجو صورة المسيح . يشير بعض قراء كتابك الأخير أنك الآن تؤنسن صورة قابيل . يضع صورة لاعب البوكر، يتأمل لحظة ويقول هذه الخلاصة :" الحكاية هي أن المسيح يؤنسن صورة الرب . فالمسيح أضفي صورة رقيقة ومصبوغة لرب العهد القديم . لكنني لم أكن أنوي أن أأنسن صورة قابيل، لكنه بالطبع قاتل أخيه هابيل . وفي الأسبانية هناك كلمة قابيلي، وهي تشرح نفسها . لقد اعتقدت دائماً أن قصة قابيل مسرودة بشكل سيء في التوراة، مثل قصة داوود وجوليات، فجوليات لم يتمكن أبدا من الاقتراب من داوود، فالأخير انتصر لأنه كان يمتلك موجة، وهي مسدس العصر ".




أسأله من أين تأتي الفكرة المتسلطة بالكتابة عن الرب ؟ " لأن الكتابة عن الرب عميقة، حتي ولو كانت الآن من خلال قابيل . قد يبدو ذلك غريباً لأن نشأتي لم تكن دينية، لا في المدرسة ولا في البيت . وأنا صراحة أعتقد أن الموت هو من خلق الإله . فلو كنا خالدين ما صار لدينا سبب لاختراع إله . من أجل ماذا . قد لا نعرف ذلك أبداً ." لإلحاد المؤلف صبغاته . " كلمة ملحد مجرد كلمة، فأنا من داخلي مشبع بالقيم المسيحية، التي يتفق بعضها مع القيم الإنسانية . وأنا أقبلها . حسن، فكل ما يرتبط بإله خالد وأعلي، سيدينني ذات يوم، يبدو لي حماقة . "




وهل صفحات قابيل غير متسامحة مع الرب ؟ " لا، هي غير متسامحة مع النوع البشري، الذي اخترع إلهاً ". حسن، لكن الرواية تقول، من بين أشياء أخري، إن الرب ليس محل ثقة، وإنه قادر علي عقد معاهدة إبليس، وأنه مجنون بشكل لا يمكن شفاؤه . ويصفه بالحاقد والشرير والفاسد … ويتهمه باحتقار العدل . وهكذا حتي النهاية، حتي يؤكد أن الرب في النهاية يندم لأنه قد خلق الإنسان . " نعم، ولهذا، طبقا للتوراة، أمر بالطوفان وأغرق البشر، باستثناء نوح وأهله . الرواية هي صراع بين الإنسان والرب . فقابيل، الذي لم يكن بالتحديد قديساً بل علي العكس تماماً، كان في العمق أكثر طهارة في العقل وأكثر شفافية "




واجه ساراماجو أثناء الكتابة مشكلة سردية كان يبدو أن لا حل لها : تطور الزمن . ماذا فعلت ؟ " أبدعت، فلم أكتب عن ماضيه ولا عن مستقبله، بل عما أسميته حاضراً آخر . لقد وجد قابيل نفسه فجأة في حاضر آخر، لا يهم أن يكون ماضياً أم مستقبلاً . أعتقد أنني حافظت علي الفكاهة في تيمة معقدة . فالكتاب طريف مع أنه جاد في عمقه ". وأكّد أنها ليست سخرية متعمدة . فهو لا يتعمد شيئاً إطلاقاً . فالحكاية ترسم كيف يجب أن تُروي . " أنا يد مطيعة تحاول ألا تفعل شيئاً ضد المنطق وضد ما أكتبه . تقبل بما تريده الحكاية . والسخرية احدي ثوابت كتبي . بينما الفكاهة لم تظهر سوي في مسيرة الفيل، وتتكرر في قابيل . ولم يكن ذلك قراراً مسبقاً، وهذا ما حدث ببساطة ".




تختم الرواية بنقاش يشوبه العتاب المتبادل، علي عتبة باب سفينة نوح الكبيرة، بين الرب وقابيل : " أنت شرير يا قابيل، أنت قاتل حقير لأخيك . لست شريراً وحقيراً مثلك، ولتتذكر أطفال سادوم ". يؤكد المؤلف إنه النقاش الأبدي بين الإنسان والرب . نقاش لا نهاية له . " فلا هو يفهمنا ولا نحن نفهمه . كيانان لم يتفاهما، ولا يتفاهمان، ولن يتفاهما ".




كتب ساراماجو هذا العمل في أربعة اشهر، وهو نصف الوقت الذي قضاه في كتابة مسيرة الفيل . وفي كلتا الحالتين، يعترف ساراماجو أنه كان متعجلاً في الكتابة، مسابقاً الزمن، فلم يستطع أن يوقف الإيقاع . " الآن بوسعي أن أقلل السرعة . قريباً سأتم السابعة والثمانين، والحياة مثل شمعة تحترق، عندما تصل لنهايتها يزداد لهبها قبل أن تنطفئ . وأعتقد أنني في مرحلة اللهب الأخير، ولا أقول ذلك بدراماتيكية، فأنا علي يقين أنني لن أعيش أكثر من ذلك . أنا الآن في مرحلة إن اعتقدت أنني أستطيع أن أعمل عملاً جيداً، أريد أن أعمله . فبعد ذلك سينتهي كل شيء ولن تبقي سوي كتبي، التي اعتقد أنها ستظل مقروءة . أتمني، لو احتملت صحتي، أن أنهي الرواية التي بين يدي ". ولن يعلن شيئاً عن عمله الجديد . فقط مجرد تفصيل : أعرف الجملة الأخيرة تحديداً . لن يحتوي علي مفاجآت أو تغييرات في مسيرتي، عادة لا تضمن أعمالي هذه الأشياء . " أعتقد أنني كاتب منطقي ".




عن جريدة الباييس الأسبانية




جديد

«حصن التراب»: من ضيق الميلودراما إلى رحابة التاريخ

إبراهبيم عادل زيد   يعّرف «أحمد عبد اللطيف» روايته الجديدة «حصن التراب» بأنها (حكاية عائلة موريسكية). ولأول وهلة قد يبدو الحديث ...