السبت، يونيو 14، 2008

مقتطف من مذكرات ساراماجو

من حين لآخر ، كانت السيدات تذهبن ايام الآحاد عصرا الي بايكسا للفرجة علي الفترينات . وفي أعم الاحوال كن يذهبن سيرا علي الاقدام ، وذات مرة ركبن الترام ، وكان أسوأ ما يمكن ان يحدث لي في هذه السن ، حيث أنني سريعا ما يصيبني الدوار بسبب رائحته من الداخل ، فالجو شديد السخونة ، شبه النتن ، قلب معدتي ، وفي دقائق قليلة جعلني أتقيأ . ففي الترام علي وجه الخصوص اصير مخلوقا ضعيفا . مع مرور الوقت تضاءل هذا التعصب الشمي ( لا اعرف اسما آخر لأطلقه علي هذه الحالة ) لكن الحق أنني ، خلال سنوات ، كان يكفي أن أدخل الترام حتي اشعر بدوخة . أيا كان السبب ، سواء أشفقن علي حالي ، او لأنهن كن يريدن التمشية ، في هذا الاحد هبطنا سيرا من شارع فرناو لوبيس ، أنا وأمي وكونسيبسيون ، وأعتقد ايميديا أيضا ، مرورا بشارع فونتيس بيريرا ثم بشارع لا ليبردادي ، واخيرا صعدنا لشارع التشيادو ، حيث هناك كانت تعرض كنوز علي بابا القيمة . لا أتذكر الفترينات ، ولا أنا هنا من اجل الحديث عنها ، فهناك مسائل أكثر جدية تشغلني في هذه اللحظة . بجانب أحد أبواب مخازن جرنديللا كان هناك رجل يبيع البالونات ، وربما لأنني طلبت منه ( وهو الامرالذي ارتاب فيه كثيرا ، لأن من ينتظر أن يعطوه ، يتجرأ ويطلب ) او ربما لأن أمي أرادت ، وهو شيء غير مألوف ، أن تجعلني إجتماعيا ، صارت واحدة من هذه البالونات في يدي . لا أتذكر أكانت خضراء ام حمراء ، صفراء ام زرقاء ، او كانت بيضاء بكل بساطة . فما حدث بعد ذلك مسح من ذاكرتي اللون المفترض أن يظل ملتصقا بعيني للابد ، حيث أنها كانت اول بالونة أمتلكها في عمري كله البالغ ستة او سبعة اعوام . كنا في طريقنا الي الروسيو ، عائدين الي البيت ، كنت فخورا كما لو كنت اسوق العالم بأسره وأربطه بخيط وأطيره في الهواء ، فسمعت فجأة شخصا يضحك من ورائي . نظرت و رأيت . كانت البالونة قد انفشت ، وكنت اجرها علي الارض دون أن أنتبه ، وقد أصبحت شيئا قذرا ، منكمشا ، لا شكل له ، وكان الرجلان القادمان ورائي يشيران إلي بسبابتهما ، أما أنا فقد كنت في هذه المرة نموذجا للأراجوز البشري . لم أستطع حتي البكاء . أطلقت الخيط ، أمسكت بذراع امي كما لو كانت طوق النجاة وواصلت سيري . هذا الشيء القذر ، المنكمش ، عديم الشكل ، كان في الحقيقة الحياة الدنيا .

جديد

«حصن التراب»: من ضيق الميلودراما إلى رحابة التاريخ

إبراهبيم عادل زيد   يعّرف «أحمد عبد اللطيف» روايته الجديدة «حصن التراب» بأنها (حكاية عائلة موريسكية). ولأول وهلة قد يبدو الحديث ...