الجمعة، يونيو 27، 2008

الظلال و سطوتها

جريدة الأهرام عن الظلال وسطوتها
بقلم إبراهيم أصلان نبقي مع رواية‏(‏ لاورا وخوليو‏)‏ للأسباني خوان مياس‏, والتي ترجمها للعربية أحمد عبد اللطيف ، ‏ حيث نري خوليو وهو يجلس علي حافة سرير ابنة شقيقته الطفلة‏,‏ يعاونها علي النوم‏,‏ وهي تقول‏:‏‏
-‏ إذا أردت أن أنام‏,‏ احك لي حدوتة‏.
‏‏-‏ أنا لا أعرف حكاية الحواديت‏.
‏‏-‏ فقط قل كان يا ما كان وستري كيف تأتي الحدوتة‏.
-‏ كان يا ما كان‏. قالها وصمت‏.
‏‏‏-‏ كان في بلد . أضافت الصغيرة
وفي تلك اللحظة مشي أحدهم في الخارج وعبر ظله علي الحائط‏,‏ وحينئذ قال خوليو‏:
‏‏-‏ كان في بلد عدد ظلاله أقل من عدد أشخاصه‏.
‏‏-‏ لماذا؟
‏-‏ لأن نصف الناس كانوا يولدون بلا ظل‏.
‏‏-‏ وكيف كانوا وهم بلا ظل؟‏
-‏ كانوا طائشين‏
-‏ وما معني طائشين؟‏
-‏ يفكرون قليلا في الأشياء
‏-‏ أية أشياء؟‏
-‏ كل الأشياء‏,‏ تغلق الأبواب علي أصابعهم‏..‏ يلسعون ألسنتهم بالشوربة عندما يأكلون ، يتركون الحنفيات مفتوحة ، ويفكون رباط الحذاء‏.
‏‏-‏ وهل يتبولون في السرير؟‏
-‏ نعم‏
-‏ وماذا حدث؟‏
-‏ قررت حكومة هذا البلد تقسيم الظلال الموجودة إلي أنصاف ظلال وإعادة توزيعها علي المواطنين بالقرعة‏,‏ ليمتلك كل مواطن نصف ظل‏.
‏‏-‏ وماذا حدث بعد ذلك؟‏
-‏ حسنا‏,‏ سار الناس في الشوارع بنصف الظل الذي منحته لهم الحكومة ، لكن ذات يوم كان هناك شخصان يتجولان في حديقة ويسير خلف كل منهما نصف ظله‏,‏ وعندما دفعهما شيء للتوقف‏,‏ انتبها أن نصف ظل كل منهما التقي نصفه الآخر الأصلي بالمصادفة‏,‏ فالتحما‏,‏ ولم يعد ممكنا فصلهما أبدا‏,‏ وقد حدث توافق بين صاحبي نصفي الظلين‏,‏ وكانا رجلا وامرأة وتزوجا‏ . ‏منذ ذلك الحين بدأت كل أنصاف الظلال الموجودة في البلدة رحلة البحث عن نصفها الآخر وهي تسحب وراءها الأشخاص أنفسهم‏,‏ وهكذا صارت الظلال تسيطر علي العالم كله‏,‏ وعندما كان يلتقي نصف ظل مع نصفه الآخر كان أصحاب الظل يلتقيان أيضا دون ان تكون لديهم أية فرصة للاختيار‏,‏ لقد وقعوا جميعا تحت سلطة الظل‏,‏ كان هناك زواج بعقد وزواج بفسخ ليس استجابة لرغبة الجسد وإنما استجابة لرغبة الظل‏..‏ أصبح الأفراد جزءا فقط من الظل‏,‏ كانت ظلال الساسة هي التي تحكم البلد‏,‏ بينما ظلال المدرسين تشرح الدروس في المدارس لظلال التلاميذ‏,‏ وكانت ظلال رجال الشرطة تطارد ظلال المجرمين التي حكمت عليهم ظلال القضاة بالسجن‏,‏ وكانت ظلال الأطباء تعالج ظلال المرضي‏,‏ وفي الأسواق كانت تباع ظلال اللحم وظلال السمك وظلال الخبز إلي ظلال الزبائن‏,‏ وبما أن الظلال تعشق الظلام‏,‏ رويدا رويدا حرموا في هذا البلد كل مظاهر النور بداية من المصابيح ومرورا بالشمع‏,‏ ثم حرموا بعد ذلك ضوء الشمس‏,‏ وتحول المكان إلي ظل ضخم‏.
‏ هكذا قال ‏. ‏وفي هذه الأثناء كانت الطفلة قد أغمضت عينيها ‏. ‏لقد نامت.

جديد

«حصن التراب»: من ضيق الميلودراما إلى رحابة التاريخ

إبراهبيم عادل زيد   يعّرف «أحمد عبد اللطيف» روايته الجديدة «حصن التراب» بأنها (حكاية عائلة موريسكية). ولأول وهلة قد يبدو الحديث ...