الجمعة، أكتوبر 15، 2010

ماريو بارجس يوسا..نوبل 2010


مجتزأ من أحدث روايات يوسا
‮"‬حلم السلتيكي"

 ترجمة \ أحمد عبد اللطيف






 الكونغو


عندما 
فتحوا باب الزنزانة،‮ ‬دخلت ومضات ضوء‮ ‬وضربة هواء 
ضوضاء الشارع التي كانت تحجبها الأسوار الحجرية، استيقظ روجير مرعوباً‮. ‬رمش بعينيه مرتبكاً،‮ ‬وانتبه وهو يحاول الجلوس إلي طيف الشريف،‮ ‬المعكوس علي الباب‮. ‬نظر إليه بوجهه الناعم وشاربه الأبيض وعينيه التي تتحدث بسوء،‮ ‬وبسماجة لم يحاول أبداً‮ ‬مداراتها‮. ‬هذا الرجل سيعاني ألماً‮ ‬إذا منحته الحكومة الإنجليزية طلب العفو‮. 

‮- ‬زيارة‮- ‬همس الشريف،‮ ‬دون أن يرفع عنه عينيه‮. ‬
نهض،‮ ‬نفّض ذراعيه‮. ‬كم من الوقت نام؟ كانت إحدي مزايا سجن بينتوفيل أنه لا يُعرَف الوقت‮. ‬في سجن بريكستون وفي برج لندن كان يُسمع صوت الأجراس التي تدق كل نصف ساعة،‮ ‬هنا،‮ ‬الحوائط السميكة لا تسمح بمرور صوت أجراس كنائس كاليدونيان رود ولا ضجيج سوق ايزلينتون كما أن حراس الأبواب ينفذون الأوامر بصرامة فلا يوجّهون له كلمة‮. ‬وضع الشريف الكلابشات في يديه وأشار إليه بالخروج أمامه‮. ‬هل جاءه محاميه بخبر سعيد؟ هل اجتمعت اللجنة وتوصلت لقرار؟ كانت نظرات الشريف،‮ ‬المحمّلة أكثر من أي وقت مضي بالنقمة التي تسكنه،‮ ‬توحي بأنهم خففوا العقوبة‮. ‬سار في الممر الطويل ذي الأحجار الحمراء المغطاة بالقذارة،‮ ‬أبواب زنازين معدنية وجدران مقشرة الطلاء‮  ‬فيها نافذة عالية كل عشرين أو خمسة وعشرين خطوة وبها فتحة يمكن من خلالها رؤية جزء من السماء الرمادية‮. ‬لماذا كان يشعر بالبرد الشديد؟ كان شهر يوليو،‮ ‬قلب الصيف،‮ ‬ولم يكن هناك سبب لهذا البرد الذي يجعل جلده مقنفداً‮.‬
عند دخوله لقاعة الزيارات الضيقة،‮ ‬تصبب عرقاً‮. ‬من كان ينتظره لم يكن محاميه جورج كافان ديفي،‮ ‬وإنما أحد مساعديه،‮ ‬شاب أشقر وهزيل،‮ ‬بوجنتين بارزتين،‮ ‬يرتدي ثوباً‮ ‬أنيقاً،‮ ‬كان قد شاهده خلال أربعة أيام المحاكمة يحضر أوراقاً‮ ‬لمحاميي الدفاع‮. ‬لماذا يرسل ديفي أحد مساعديه ولم يأت بنفسه؟
‮ ‬نظر إليه الشاب نظرة باردة‮. ‬بين حدقتيه كان يقفز الغضب والاشمئزاز‮. ‬ماذا حدث لهذا المعتوه؟‮ "‬ينظر لي كما لو كنت حيواناً‮" ‬فكّر روجير‮.‬
هل من جديد؟
نفي الشاب بهزة من رأسه،‮ ‬وأخذ نَفَسَه قبل أن يتكلم‮. ‬
‮- ‬عن طلب العفو لا جديد إلي الآن‮- ‬همهم،‮ ‬بجفاء،‮ ‬مؤدياً‮ ‬إيماءة جعلته أكثر تفككاً‮- ‬يجب أن ننتظر حتي يجتمع مجلس الوزراء‮.‬
كان وجود الشريف والحارس الآخر في القاعة الصغيرة يضايق روجير‮. ‬فرغم أنهما بقيا صامتين وساكنين،‮ ‬كان يعلم أنهما ينصتان لكل ما يُقال‮. ‬وكانت هذه الفكرة تطبق علي صدره فتجعله يتنفس بصعوبة‮. ‬
‮- ‬لكن لو وضعنا في اعتبارنا الأحداث الأخيرة فكل شيء صار أصعب‮- ‬أضاف الشاب الأشقر وهو يرمش بعينيه للمرة الأولي وفاتحاً‮ ‬ومغلقاً‮ ‬فمه بشكل مبالغ‮ ‬فيه‮.  ‬
‮- ‬الأخبار لا تصل إلي سجن بينتونفيل،‮ ‬ماذا حدث بريطانيا العظمي من سواحل آيرلندا؟ وهل الغزو الذين يحلمون به حدث؟ وهل مدافع كايسير تنتقم حالياً‮ ‬من المواطنين الآيرلنديين الذين رفّعهم الإنجليز عند الاحتفال بأسبوع الآلام؟ فلو اتخذت الحرب هذا الطريق،‮ ‬ستتحقق خططها رغم كل شيء‮.‬
‮- ‬كل شيء أصبح صعباً،‮ ‬وتحقيق النصر شبه مستحيل‮- ‬كرر المساعد‮. ‬كان شاحباً‮ ‬ويكبح استفزازه،‮ ‬وكان روجير يستشف جمجمته تحت جلد وجهه الأبيض‮. ‬وكان يشعر أن الشريف يبتسم من وراء ظهره‮. ‬
‮  ‬ماذا تقول؟
‮ ‬السيد جابان ديفي كان متفائلاً‮ ‬جداً‮ ‬بالعفو‮. ‬ماذا حدث كي يغير رأيه؟
‮-‬يومياتك‮ ‬‭_‬‮ ‬قال الشاب بإيماءة ضيق‮. ‬خفض صوته حتي أن روجير كان يسمعه بالكاد‮- ‬اكتشفها سكوتلاند يارد في بيتك بإبيري ستريت‮.‬
صمت صمتاً‮ ‬طويلاً،‮ ‬منتظراً‮ ‬أن يقول روجير شيئاً‮. ‬لكن بما أن الأخير أصابه الخرس،‮ ‬أطلق الزمام لضيقه وعوج فمه‮.‬
‮- ‬كيف كنت رجلاً‮ ‬غير رصين،‮ ‬يا ابن الرب‮- ‬كان يتحدث ببطء يعكس‮ ‬غضبه‮- ‬كيف كتبت بقلم وورقك مثل هذه الأشياء،‮ ‬يا ابن الرب‮. ‬وإن كنت فعلت ذلك،‮ ‬كيف لم تتخذ الاحتياطات اللازمة لتمزيق هذه الأوراق قبل أن تتآمر ضد الامبراطوية البريطانية‮.‬
‮" ‬إنها سبة أن يناديني هذا المعتوه بكلمة ابن الرب‮"‬،‮ ‬فكر روجير‮. ‬كان‮ ‬غير مؤدب،‮ ‬لأن عمره ضعف عمر هذا الولد علي الأقل‮.‬
‮- ‬أجزاء من هذه اليوميات تلف الآن في كل مكان بالإمبراطورية،‮ ‬قال المساعد بشكل أكثر هدوءً،‮ ‬رغم أنه متضايق علي الدوام،‮ ‬ودون أن ينظر إليه‮. ‬سلّم متحدث الوزير،‮ ‬قبطان سفينة ريجينالد هول شخصياً،‮ ‬نسخاً‮ ‬لعشرات من الصحفيين‮. ‬يومياتك في كل أنحاء بريطانيا،‮ ‬في الأندية الليبرالية والمحافظة،‮ ‬في قاعات الدرس،‮ ‬في صالات التحرير والكنائس‮. ‬في المدينة لا يتحدثون عن شيء آخر سواك‮.‬
ريجير لم يتفوه بكلمة‮. ‬لم يتحرك‮. ‬كان يشعر،‮ ‬من جديد،‮ ‬بهذا الإحساس الغريب الذي استحوذ عليه في مرات كثيرة في الأشهر الماضية،‮ ‬منذ هذا الصباح الأسود والماطر من أبريل سنة‮ ‬1916،‮ ‬والذي فيه كان منكمشاً‮ ‬من البرد،‮ ‬سحبوه من بين أطلال مي كانا فورت،‮ ‬بجنوب آيرلندا‮: ‬لم يكن هو،‮ ‬لابد أنه كان آخر من يحدثونه هكذا،‮ ‬من تحدث له هذه الأشياء‮.‬
‮- ‬أعلم أن حياتك الشخصية ليست من شأني،‮ ‬ولا من شأن السيد ديفي ولا أي أحد آخر‮- ‬أضاف الشاب المساعد،‮ ‬مجتهداً‮ ‬أن يخفض‮ ‬غضبه المعكوس في صوته‮- ‬لكنني أتحدث عن شيء مهني بالدرجة الأولي‮. ‬السيد جابان ديفي أراد ان يطلعك علي ما يحدث‮. ‬ويحذرك‮. ‬ربما يتم رفض طلب العفو‮. ‬هذا الصباح،‮ ‬كانت هناك اعتراضات في بعض الجرائد،‮ ‬خيانات،‮ ‬شائعات حول ما تحويه يومياتك‮. ‬حتي الرأي العام الذي كان يؤيّدك تأثّر بكل هذا‮. ‬هذا افتراض صرف‮. ‬أتريد أن أنقل له أي رسالة؟
__________________
نشر بجريدة أخبار الأدب


http://www.akhbarelyom.org.eg/adab/detailze.asp?field=news&id=1534&num=%C7%E1%C8%D3%CA%C7%E4

جديد

«حصن التراب»: من ضيق الميلودراما إلى رحابة التاريخ

إبراهبيم عادل زيد   يعّرف «أحمد عبد اللطيف» روايته الجديدة «حصن التراب» بأنها (حكاية عائلة موريسكية). ولأول وهلة قد يبدو الحديث ...