السبت، مارس 28، 2015

رواية "إلياس" لأحمد عبد اللطيف نص تجريبى يتحدى القارئ


أحمد إبراهيم الشريف

 أنا لا أحب ولا أكره إذن أنت "إلياس" بكل رؤيتك وخيالاتك بوضوحك وعتمتك ويأسك وأملك.. فقط عليك أن تملك القدرة على الكتابة وأن تصوغ إحساسك سواء بالضياع أو التحقق فى شكل كتابى يليق بك. رواية إلياس للروائى والمترجم أحمد عبد اللطيف الصادرة عن دار العين تجعلك تتساءل، ما الذى يكمن خلف شخصية إلياس وما الرمز الذى يسعى إلى أن يثبته وما التحدى الذى قصد إليه أحمد عبد اللطيف بهذه الشخصية الممتدة عبر الزمن؟. لا يمكن القول بأن إلياس شخص واحد ولا حتى مجموعة من الشخصيات تكتب معا حكاية طويلة وحكايات متفرقة، إنما المقصود هو الإنسان "المجرد"، الشاهد على كل كوارث الزمن والذى يفقد أجزاء جسده لإحساسه المسبق بالعجز الذى يسيطر على عالمه، ولأنه يدفع ضريبة وجوده فى هذا العالم، كما أنه ممتلئ بالذكريات التى تبدو فى هيئة أرشيف له، وربما "الأرشيف" فكرة تقريبية لما يريد أن يحكيه من وعن الألم، هو يراه أرشيفا لكنه فى الحقيقة سجل معرفى لتاريخه الذى هو تاريخ الوجود البشرى، يحكى ثم يعيد إنتاج حكاياته فى شكل صوت ثان وثالث ورابع غير محددين لكنك تشعر بهم، ربما يشك فيما سيقوله فيعيد صياغة الجملة، لكنها فى شكل قصص قصيرة، وذلك لأن إلياس كاتب قصص قصيرة، لكنه ليس فاشلا كما ادعى، ويعيد تمثيل العالم، لأنه ممثل بارع وليس فاشلا كما ظن، كلما أدى دورا فى فيلم اكتشف أنه يؤدى جزءا من حياته الحقيقية، فالحياة هى الفيلم الذى قام فيه بدور "إلياس". فى لحظة ما فى الرواية ستشعر بأنك أنت إلياس، بأن جزءا منك هو إلياس، أنك أنت هو فى أحد الوجوه التى قدمها، وفى أى زمن يناسبك من الأزمنة التى خاضها مكرها، المهم أنه زمن صالح لارتكاب الآثام وقتل كل الشعراء اللوركيين وقتل كل الغرباء الذين يظهرون فى الحياة وهجر كل الرفيقات شريطة ألا تحب ضمير المفعول، وحسب استعدادك لفقد جزء منك حتى تطهر روحك دائما بهذا الفقد وتستطيع أن تواصل الحياة. أحمد عبد اللطيف كتب نصا "تجريبيا" بامتياز لم يسبقه فى كتابته أحد، نص جديد على الرواية العربية، رفع سقف التجريب فى صالح النص وأسقط تقريبا القارئ من المعادلة، لكن ذلك يطرح قضية كبرى ما المقصود بالقارئ، هل هو الذى يتصفح رواية فى وسائل المواصلات من باب التسلية، وهذا يذهب بنا إلى بيان التحدى الذى قصده أحمد عبد اللطيف فى الرواية، فكثير من الكتاب فى سبيل "البست سيلر" ومغازلة طبقة ما من القراء المحدثين، سعوا إلى التنازل عن سمات مميزة كانت تحيط بنصوصهم منها اللغة المشبعة بالدلالات والصورة المركبة بعض الشيء واختاروا مغازلة قارئ النت والمواصلات العامة بالتبسط فى الكتابة فى اللغة والتراكيب والتقنيات والتكنيك وبالتالى تراجع التجريب تماما وأفسح مكانا للحكاية اللطيفة الممتلئة بالمغريات الحسية واللغوية السهلة والتركيبات الجاهزة القادمة من مواقع التواصل الاجتماعى، فى ظل هذا الطوفان، فعل أحمد عبد اللطيف عكس هذا الاتجاه، فقد كتب رواية فى اتجاه القارئ النخبوى الذى يملك رؤية للعالم عادة ما تكون مأزومة ويبحث عن دليل فيما يكتبه الآخرون، لذا ستقدم الرواية له وجهة نظر فى هذا العالم الذى يأكل نفسه، فالقارئ الجاد مع إلياس يفكران فى خطة بديلة للمشاركة فى فهم تفسير ظواهر العالم المغلقة التى ربما تعود بهما للعلة الأولى للأشياء، إذن إلياس ليس مجرد شخصية روائية، إنما هو أنت، فقط راجع تصرفاته وأفكاره وخوفه وأمله ورعبه ومحنته وأفراحه القليلة ستجد أنه أنت بصورة ما، ولو لم تجد نفسك فى الرواية لن تستطيع أن تكمل هذه الرواية التى تمتحنك وتعكس مدى قدرتك على القراءة، هى ليست رواية صعبة لكنها حقيقية وهذا هو الفارق، وليست رواية "متاهة" لا تعرف لها أول من آخر لكنها تقيس مفاهيمك عن الكتابة والإبداع. فى الرواية لا يهم الزمن، إنها تنويعات على وجيعة واحدة بأشكال مختلفة، ربما تفاجأ بتحديد الزمن فى نهاية الفصول المسلسلة وهو ترتيب لا يملك منطقا يقفز للمستقبل أو يعود للماضى، ليست هذه عشوائية أو عملية إرباكية للقارئ، هى فقط ما تتذكره الذات الإلياسية التى توهمنا أنها تقرأ ما يتراءى لها من الأرشيف، الذى يملأ عليها حياتها، حتى وفاته يتخيلها أمامه لكنها تأتى بلا تاريخ محدد على شاهد قبره. إلياس هو سيزيف يحمل أفكاره ومخاوفه طوال الوقت كى ينتحر تقريبا فى نهاية كل فكرة ثم يعود مرة أخرى للحياة كى يعذب بالأفكار والتواريخ. وحال قراءتى للرواية كان لدى إحساس بأن الكاتب يعرف أكثر من اللازم لكنه لم يشأ أن يؤلمنا أكثر، هو فقط طلب منا نحن الإلياسات أن نضع صورنا على صفحاتنا على الفيس بوك، حتى لو اكتشفنا أنها صورة واحدة لنا جميعا، وطلب منا أيضا أن ننهى القطيعة مع ذواتنا وأن نضع مرآه صغيرة فى غرفنا المغلقة. إذن يكمن جمال هذه الرواية فى أن أحمد عبد اللطيف لا يكتب وحده هذه الرواية فهناك إلياس، إلياسان، إلياسات كثيرون يكتبون هذا النص، هناك "نحن" العالم الممتلئ بالإلياسات الذين يعيشون جميعا فى ثلاجات طوال الوقت، وهم مستعدون لقراءة سيرتهم الذاتية التى كتبها أحمد عبد اللطيف فى هذا النص المبدع.


جريدة اليوم السابع

جديد

«حصن التراب»: من ضيق الميلودراما إلى رحابة التاريخ

إبراهبيم عادل زيد   يعّرف «أحمد عبد اللطيف» روايته الجديدة «حصن التراب» بأنها (حكاية عائلة موريسكية). ولأول وهلة قد يبدو الحديث ...