الأربعاء، أغسطس 07، 2013

د. أماني فؤاد تكتب عن رواية "كتاب النحات"


الإله .. في"كتاب النحات"

ينشغل "أحمد عبد اللطيف" في روايته "كتاب النحات" التي صدرت حديثا عن "دار آفاق"، بفكرة الخلق والخالق. يروي مشاغبا للموروث الثقافي بتنويعاته عن علاقة الخالق بمخلوقاته، وينطلق فنيا علي النحو الفنتازي المغاير لما استقر، والمشتبك معه في بؤر عميقة في الوقت ذاته استنادا على لا يقينية وانفتاح ما يتصوره الإنسان عن أساطير الخلق، وانفتاح أسئلة البشر الثائرة حول الإنسان: تاريخ وجوده وكيفيته، صراعاته مع الطبيعة من حوله، منظومة القيم التي تحكم وجوده، وتجعله يعاني الوحدة والاغتراب، أو تستحوذ عليه شهوة السلطة والتحكم بمصائر الآخرين واستغلالهم، أو مكابدة الحب والفقد وما يحيط به من صراعات، فيشكل إلها خالقا ــ بمنطق الفن ــ مغايرا لمفهوم البشر عن الربوبية مطلقة القدرة والتحكم.
إله يخلق الكائنات ولا يعرف كيف ستتحرك بهم طبائعهم ونوازعهم، من منهم سيدعي ما يشبه النبوة، ويفرض سلطة مزيفة فوقية علي الآخرين مثل شخصية "الرجل ذو القضيب المنتصب دائما"، من منهم سيتبني قضايا المستضعفين، من سيدخل في شرنقة ذاته يأسا من العالم وشروره .
     يبتعد الكاتب عن تبني أيديولوجية دينية أو سياسية مباشرة تستحوذ علي سردية النص الروائي، بل يفتحه علي الرحابة الإنسانية بأسئلتها الوجودية الكبري.
يطور عبد اللطيف مشروعه الروائي المميز، بتنمية أبعاد شخوصة وقدراتهم، مشروعه الذي بدأه بروايته "صانع المفاتيح" التي فازت بجائزة الدولة التشجيعية، وثناه برواية "عالم المندل"، وأوجد لبطليه فيهما قدرات خاصة مفارقة للواقع، تخضع لمفهوم يري الفن خلقا جديدا لا يركن لمجرد المحاكاة.
    في "كتاب النحات" تنفتح قدرات البطل، فيتجسد إلها إنسانيا ينحت مجموعة من التماثيل، مسترجعا من ذاكرته مشاهده معهم، بعد أن ترك الحياة الأولي، ينحتهم بمقاييس خاصة ليست علي شاكلته، ويعترف بكونه نحاتا لا يقدر علي الكمال، يعيد إليهم الحياة بعد أن فارقوها، أو فارق هو الحياة الدنيا، لا تهب السردية يقينا ما لقارئها، بل تقدم له عوالم تتعدد تأويلاتها، فالمكان في العمل برزخي لا يمكن أن يحدده القارئ،  جزيرة نائية يجري بها نهر، كانت بها حياة ثم اندثرت، كما لا يتعين الزمان، أيام الخلق الجديد متي تقع؟ أو الحياة السابقة التي عاشها النحات ومن كانوا يحيطون به، فهذا الخالق الجديد لا تراه مخلوقاته، فقط يستشعرون وجوده من عملية النحت التي يراها الرجل البرميل، دون أن يري الخالق فيكاد أن يجن.
النحات خالق يري أن: "المقدس وهم، كلمة مبتذلة، اخترعها راعي من أجل قطيع يتبعونه"، تشكيلي يقول عن ذاته:"لا أريد أن أشكل المصائر بقدر ما أريد أن أري كيف يتكون العالم علي مهل"، إله يري المقاصل والمذابح عنف بلا طائل، معدة سلفا للمختلفين، إله ينشد الحب ويخلّق عروسة نهره ليحارب بها الفناء، وتحكي له عن مخلوقاته.
يعود عبد اللطيف إلي أشباح المبدع المتعددة ويؤلف معزوفته الخاصة التي تتحرك بمخيلة ثقافته، يسترجع خنوم الإله الفرعوني القديم الذي اعتقد المصريون أنه يصنع البشر من الصلصال والماء، وظف أسطورة باجمليون، صنع تناصات مع النصوص الدينية السماوية والأرضية؛ ليخلق تنويعته لمفهوم خالق بشري معاصر يلتذ بالمعرفة غير اليقينية التي تتكشف له مع البشر دون إدعاء معرفة الغيب فهو أقرب إلى مخلوقاته وحيرتهم .

     يتكشف مع القراءة خيط عميق بالنص لا يعرف فيه المتلقي من هذا النحات تحديدا؟  ففي فقرات شعرت أن هذا البطل تتوزع قدراته وحيرته علي الرجل ذو القضيب المنتصب، ورجل البرميل، والفنان المسرحي، وجميع شخوص العمل الذين يقدم من خلالهم الروائي قدرة الفن علي التوسع بمفاهيم هذا العالم الذي يضيق الخناق علي نفوسنا.

جديد

«حصن التراب»: من ضيق الميلودراما إلى رحابة التاريخ

إبراهبيم عادل زيد   يعّرف «أحمد عبد اللطيف» روايته الجديدة «حصن التراب» بأنها (حكاية عائلة موريسكية). ولأول وهلة قد يبدو الحديث ...