الأربعاء، مارس 18، 2009

دقة مواعيد

دقة مواعيد

قصة ل خوان مياس

كان لي خطيبة تكره الدقة في المواعيد ، وكان ذلك يبدو لها أحد عيوب البورجوازية . في تلك الفترة كنتُ أصل دائما قبل موعدي بنصف ساعة ، ليس كرد فعل معاكس ، وإنما لمشاكل عقلية ، فقد كنت أعتقد أنني لو تأخرتُ في مواعيدي ستحدث كارثة . بالأضافة لذلك ، فإن ميزة الوصول إلي المطار ، مثلا ، قبل موعدك بساعتين أو ثلاث يتيح لك الفرصة ، إن كنت قد نسيت جواز سفرك ، أن تعود للبيت لتحضره دون أن تفقد رحلتك . لم تكن خطيبتي تفهم هذه التفسيرات ، بل وكانت تلومني بمرارة علي بورجوازيتي التقدمية في سنوات كانت فيها الطبقة الوسطي تنظر للطبقة الوسطي باحتقار . شرحتُ لها حينئذ أنني أصل قبل موعدي لألقي نظرة من بعيد علي الناصية التي تواعدنا عندها ، لأتحقق أنه لا توجد حركات مريبة في المنطقة . فقد قرأتُ روايات كثيرة لجون لي كاريه ، وعلمتُ أن الجواسيس دوما ما يتخذون هذه الاجراءات الاحتياطية . ـ أتريدين أن يتحروا أين نتقابل ويعتقلوني ؟ ـ لكنك لست جاسوسا لتفعل ذلك ـ أجابت هي . ـ لا أحد يعرف هذه الأمور ـ أجبتها أنا بشكل غامض . يتميز الجواسيس بأنهم يستطيعون الإحساس بكل نوع من الوساوس ، بدون أن يلفتوا الإنتباه . فالعميل ، كما يقول الكتاب ، يجد نفسه مضطراً ، مثلا ، لترك فرشاة أسنان علي باب بيته عند خروجه ، ليتحقق إن دخل أحد إلي بيته في غيابه أم لا . وغير الفرشاة ، يمكنه أيضا أن يترك قليلا من الصمغ في ركن ما من الباب . ورغم كل احتياطاته ، يجب أن يحترس من حديثه في غرفة معيشته لأنهم ربما يضعون له ميكروفونات في حجم رأس الدبوس في أي مكان . وقبل أن يشرع في حديث حساس ، من المناسب أن يطل من نافذته ليتأكد أنه لا توجد سيارة في الشارع لها اريل هوائي في سقفها . وكل هذه الاحتياطات تعد قليلة . ذات مرة ذهبت لطبيب نفسي ليعالجني من هذه العلل ، التي أخسر معها وقتي وأفقد فيها طاقتي . وحين رويت له كل شيئ ، أكّد لي أنني فعلا في حاجة إلي علاج ، لكنه عبّر عن ذلك بطريقة لم ترق لي . وبالتالي ، عندما شرع في عمل ملفي وسألني عن مهنتي ، أجبته أنني جاسوس . ـ إذن فحضرتك تقوم بما يجب عليك . قد تحتاج علاجا لو لم تفعل واجبك . ـ هذا ما أقوله لخطيبتي ! ـ وهل تعلم خطيبتك أنك جاسوس ؟ ـ بالطبع لا . أتظن انني عميل مجنون لأحكي لكل الناس أنني أعمل في خدمة الاتحاد السوفيتي ؟ . كان الإتحاد السوفيتي حينها موجودا ، وكانت مدريد تكتظ بالأحزاب الشيوعية وأحزاب العمال والأعلام الحمراء والصينيين والكوبيين وغيرهم ، بالاضافة للفاشيين التقليديين ومن علي شاكلتهم . وكانت الحياة غاية في الصعوبة ، ولم يكن في متناول يد أحد أن يتخلي عن هذه الطقوس الوسواسية حتي لا يبدو ضد الثورة ، أو بورجوازي صغير . لقد كان وصولي مبكرا عن موعدي وعشق خطيبتي للوصول متأخرة ، أمرا يعكر العلاقة بيننا . حينئذ ، بلمحة كرم مني ، وحتي أرضيها ، أقسمتُ لها أن أصل متأخرا عن كل مواعيدي ، أو علي الأقل عن مواعيدي معها . وبهذه الطريقة عادت المياه لمجاريها ، أقصد إلي مجاريها هي ، لأنها تركت مجراي حتي صار جافاً . أوفيت بوعدي خلال الأسابيع التالية في موعدين أو ثلاثة ، لكنني كنت اعاني من أفكاري الخرافية التي تصور لي أن العالم سينتهي كنتيجة لتأخيري . وسريعا عادت ريمة لعادتها القديمة ، فأصبحت أصل من جديد مبكرا ، وأختبيء في مكان قريب لأتظاهر بأنني وصلت في التو بعد أن أراها قد وصلت وانتظرت عدة دقائق . وذات يوم كنت مختبئاً في مدخل بناية ، مراقبا منطقة اللقاء ، ورأيتها قد وصلت قبل موعدها بعشر دقائق ، حينها خرجتُ من مخبأي ، وعندما ناديتها " يا بورجوازية " ، أكدت لي أنها جاءت مبكرا لتتأكد إن كنت أصل متأخرا أم لا . وفي ذلك اليوم فسخنا خطبتنا ، لأسباب ايديولوجية ، في رأيها ، رغم أنني اعتقدت دوما أن إنفصالنا كان لأسباب نفسية . بالأمس رأيتها في الشارع ، تصطحب طفلا في يدها ، وشعرت بوسواس يدفعني لأقترب منها وأطلب منها ان تغفر لي دقة مواعيدي في سنوات شبابي ، لكنني أدركت في الحال أن الوقت ، علي الأقل في رأيي ، قد تأخر جدا ، رغم أنه بالنسبة لها مازال ، ربما ، مبكرا جدا .

جديد

«حصن التراب»: من ضيق الميلودراما إلى رحابة التاريخ

إبراهبيم عادل زيد   يعّرف «أحمد عبد اللطيف» روايته الجديدة «حصن التراب» بأنها (حكاية عائلة موريسكية). ولأول وهلة قد يبدو الحديث ...