السبت، أبريل 11، 2009

قصة : ساقي اليمني / خوان مياس

كان ابي واقفاً علي حافة الرصيف بجانب سيارته ، ممسكاً بيده علبة من البلاستك ، ومنتظراً أن يعبر أحد . عبرتُ أنا بالموتوسيكل ، واضعاً فوق رأسي خوذة تخبئ وجهي تماماً ، فوقفتُ أمامه ، دون أنا أعرّفه بنفسي . ـ هل نفد البنزين ؟ سألته . ـ نعم ـ أجابني . ـ اركب . ركب أبي دون أن يتعرّف عليّ . لم نتقابل أو نتحدث منذ خمسة أعوام مضت ، وآخر مرة عانقته فيها كان يوم دفن أمي . بعدها ، دون أن يحدث خلاف بيننا ، بدأت تنقطع مكالماتنا التليفونية حتي اختفت تماماً . لاحظتُ أنه كان يحني رأسه ليتفادي الهواء ، ولابد أنه لاحظ إرتفاع كعب فردة حذائي الأيمن ، فساق هذه الفردة أكثر قصراً من الساق اليسري . لقد حدثني كثيراً عن الغضب الذي تملكه عندما أخبره الطبيب بعد مولدي بهذا الأمر . ورغم أنني لم أشعر أبداً بالأسي ، إلا أنهما كانا يشعران بالذنب أمام هذه الستيمترات الناقصة في ساق ، أو الزائدة في أخري ، فالأمر يتوقف علي رؤية كل منا ، وأنا لم أعرف أبداً أيهما المعيبة ، القصيرة أم الطويلة . أقود الموتوسيكل بمهارة فائقة ، وأدخل بين السيارات بحركات تبدو بعيدة عن الحيطة في رأي البعض . خلال ذلك ، لاحظت أن أبي ، رغم تحفظه في لمس الرجال ، كان يمسك بكتفي بيده اليسري بينما يحاول أن يلصق بفخذه العلبة البلاستكية التي يسندها بيده اليمني . أدركتُ أنه لم يتوقف عن النظر لفردة حذائي المرتفعة ، ولابد أنه قد سأل نفسه عن إحتمالية أن أكون ابنه ، وربما تذكر الأطباء الذين زارهم وسلسلة الأشعات التي قمتُ بها ومجموعة الحلول المقدمة ، ليصل في النهاية لهذا الحل البسيط والعملي بإضافة قطعة صغيرة لحذاء الساق الأقصر . حينها ، ضغط علي كتفي ضغطة يمكن تفسيرها بأنها نتيجة لتحريك عاطفته ، لكنني لم أتجاوب معه . وصلنا بعد قليل إلي محطة البنزين ، فنزل من الموتوسيكل وبيده العلبة البلاستكية . أخبرته أنني ليس بوسعي أن أصطحبه في العودة لسيارته ، فأجابني بألا أشغل بالي ، فلابد أنه سيجد من يصطحبه . لاحظتُ أنه يحاول أن يكشف وجهي بعينيه ، عبر مقدمة الخوذة المشبرة . في هذه الليلة ، دق الهاتف عدة مرات في بيتي ، لكن الاتصال كان ينقطع قبل أن أرفع السماعة .

جديد

«حصن التراب»: من ضيق الميلودراما إلى رحابة التاريخ

إبراهبيم عادل زيد   يعّرف «أحمد عبد اللطيف» روايته الجديدة «حصن التراب» بأنها (حكاية عائلة موريسكية). ولأول وهلة قد يبدو الحديث ...