السبت، أغسطس 22، 2009

حوار مع ساراماجو

سارماجو : مازلت صبيا أتعلم . ترجمة أحمد عبد اللطيف يقولون عنه إنه أكثر من كاتب ، لكنه يقول عن نفسه إنه مازال صبياً يتعلم المهنة ، وهي الجملة التي رددها من قبل عند تسلمه لجائزة نوبل منذ احد عشر عاماً ، ليكون بذلك أول برتغالي يحصل عليها . إنه ساراماجو ، أو زي ، كما كان جده يناديه ، الذي قال عنه هارولد بلووم ، أكثر النقاد صرامة ، إنه " أستاذ ، الأستاذ " ، ووصفه بأنه " أكثر كتاب العالم موهبة وأحد آخر الكتاب العظام " . وكرجل موهوب كتب روايته الأخيرة " رحلة الفيل " وهو علي فراش الموت ، وحقق بها إنتصارا للغة والخيال والفكاهة ، المرتبطة بالموت .
في أحد أيام الكريسماس الماضي ، ركز ساراماجو في عينيه ، ففوجيء باتساعهما الغريب ، حتي أنهما أكلتا وجهه . كانتا تنظران إليه باستغراب ، بفضول ، بدهشة ، وتقولان له : أمازلت هنا ، أمازلت هنا .
هذا ليس حدثاً في رواية القرين ( التي ترجمت للعربية بعنوان الآخر مثلي ) ، وإنما هي فترة كان فيها ساراماجو قرينا لنفسه ، شاهدا علي صراعه ليعود للحياة ، وكان قرينه رجلاً ناعماً ، فصحح له هلاوسه : لا ، ليس لك عينان جاحظتان، بل هما في حجمهما الطبيعي ، ما تغير هو المحيط بهما . وكان القرين يعرفهما جيدا ، لذلك قال : إنهما نجمتان مضيئتان في وسط الخراب . إنه تعبير شاعري لساراماجو ، هذا الرجل الذي أنعش السرد العالمي الجديد ، وليس فقط السرد البرتغالي ، عندما نشر روايته " العمي " عام 1995 ، لكن ثورته الحقيقية بدأت قبل ذلك بكثير ، عام 1980 ، برواية " ثورة الأرض " ( التي ستصدر قريبا بالعربية ) .
لقد فقدت عشرين كيلو يا زي ، لقد كنت دوما نحيفا مثل جدك جيرونيمو ، لكن عشرين كيلو كثير . كان طولك 180 سنتيمتر ، ووزنك 71 كيلو ، الآن صار وزنك 51 كيلو فقط ، أمازلت تعتقد بالتفاح المشوي ، الذي كانت جدتك تصنعه لك! القرين كان يعلم كل شيئ ، كان يعلم أن جيرونيمو ، الذي عاش في ازينياجا ، كان يودع الحياة عندما خرج لمعانقة أشجاره بالحديقة ، جيرونيمو ، الذي علّم حفيده حكاية القصص عندما كان ينام بجواره تحت شجرة التين ، دخل التاريخ من أوسع أبوابه عندما حفر الحفيد اسمه عند تسلمه لجائزة نوبل :" أكثر الرجال الذين عرفتهم في حياتي حكمة كان رجلا لا يعرف القراءة والكتابة " ، نعم ، كان القرين يعرف كل شيئ ، حتي ما قالته جوزيفا يوم وفاة جده كان القرين مطلعا عليه :" لا أخاف من الموت ، لكن الدنيا جميلة ، والموت يبث في الحسرة " .
يعيش ساراماجو في السنوات الأخيرة حالة صحية متردية ، حيث سقط فريسة للمرض ، إلا أن التفاح المشوي يقويه ، لذا لم يتوقف عن الكتابة ومازال مستمراً بشكل بطولي ، كما لم يتوقف عن السفر في أنحاء العالم ، ليعلن ادانته للعولمة " التي هي شمولية جديدة " وربما يستخدم عبارة كارل ماركس في العائلة المقدسة " إذا كانت الظروف تشكل الانسان ، فمن الضروري أن نشكل الظروف بشكل انساني " ، إنها هلاوس ساراماجو ، كما يقول بعض الوقحاء .
في سنة 2005 نشر ساراماجو رواية " تقطعات الموت " ، لم تكن تجريدا ، فالموت كان حاضرا بجسده ، ويمكن ملامسته . يقول ساراماجو " المؤلف هو خالق شخصياته ، وفي الوقت نفسه احدي مخلوقاتها " . وشخصية الموت تحولت من شيئ غير مرئي لشيئ مرئي ، ولم تكن لعبة ، يتذكر ساراماجو ، فقد كان قاب قوسين من الموت ، ولم يكن يربطه بالحياة سوي خيط هزيل ، حيث كان جسده مستسلما . " أعتقد أنهم لم يودوا أن تكون نهايتي في المستشفي ، وأنا أشكر لهم ذلك ، لكن الموت لم يداهمني ، وكنت مدركا لما يدور حولي ، وأشعر انني علي حافة الانتقال للعالم الآخر ، وبعد ذلك قلت لهم لا تحدثوني عن الموت ، فأنا أدري به منكم ، فلقد رأيته رؤي العين " . ورغم استسلام الجسد ، كان قلبه ينبض بقوة ، وعقله يخزن ما يحدث حوله . ورغم أن ساراماجو يُعرف بأنه الرجل الصامت ، إلا أن أعماله تغلب عليها روح الفكاهة ؟
ـ جاءت الفكاهة متأخرة ، فما كتبته وأنا في الثالثة والعشرين لا فكاهة فيه ، وأعتقد ان أساس الفكاهة يكمن في معرفة الذات ومعرفة الآخرين ، كما أن الفكاهة ابداع مجهد .
ـ بعد أن نشرت " ثورة الأرض " قلت " أنا لا أكتب من أجل شرح وجهة نظري ، بل لأنني أكتب كما أتنفس ، كما أتحدث " . ربما ساعدتك الكتابة علي اجتياز الأزمة .
ـ بالطبع . فالكتابة عكازي الذي استند عليه لانتقل من حالة لحالة ، نعم لم أكن أتحرك من سريري ، لكنني كنت أشعر بنفسي محمولا بين كفي الكتابة . كان عقلي مدركا لطبيعة حالتي ، وكان لديه المقدرة لقبوله ، والتعامل كما لو لم يحدث شيئ . وشعرت في هذه اللحظات بكم هائل من الصفاء ناتج عن قربي من الموت .
ـ في هذه الرحلة يفكر الانسان في حياته ، ويعيد حساباته ، لهذا قال بورخس :" لقد ارتكبت أفظع كبيرة في حياتي ... أنني لم أحيا سعيداً "
ـ هذه عملية عقلية تبتدع بعد ذلك ، ولم يحدث ذلك معي . لقد عدت للحياة بشكل طبيعي وبصفاء تام حدثتك عنه .
ـ يقولون إن ساراماجو لم يبع نفسه ابدا . ألا تشعر أنك قد تنازلت ذات مرة من أجل الحصول علي شيئ ، كجائزة مثلا ؟ ـ أبدا ، لم ابع نفسي أبدا ، لا ماديا ولا رمزيا . أما نوبل فهي تأتي علي شيئ تم عمله بدون الالتفات لنتيجته .
ـ وماذا عن الكراهية بين الكتاب ، خاصة عندما يكونون جيرانا ، وفي هذا السياق يقول جين شابلين " الكاتب لا يقرأ لزملائه ، بل يراقبهم " .
ـ لا أجد تفسيرا لهذه المسألة . لا أعرف . فعندما ظهرت كان كل شيئ في مكانه ، الشهرة ، الحب ، الكره ، ولم أكن قريبا من الأوساط الثقافية .
ـ في رواياتك هناك شخصيات لا يمكن نسيانها ، لأنهم مدهشون ، وينتمون لما يسمي الواقع الذكي . لا تقل لي انك لم تعشق بليموندا في رواية " مذكرة الدير " .
ـ بليموندا ... قد تكون تجسيدا لنساء كثيرات عرفتهن في حياتي ، انها امرأة بسيطة . لكنني عشقت حقا زوجة الطبيب ، في " العمي " و " البصيرة " . هذه حقيقة .
ـ يبدو من أعمالك أنك صديق للنساء أكثر من الرجال ؟
ـ هذه حقيقة أخري .

جديد

«حصن التراب»: من ضيق الميلودراما إلى رحابة التاريخ

إبراهبيم عادل زيد   يعّرف «أحمد عبد اللطيف» روايته الجديدة «حصن التراب» بأنها (حكاية عائلة موريسكية). ولأول وهلة قد يبدو الحديث ...