الخميس، ديسمبر 26، 2013

تكوير العملات الورقية لا يفقدها قيمته\ مقال


ا
أحمد عبد اللطيف


     تقول الحكاية الإسبانية إن مدرسة دخلت الفصل وأخرجت 20 يورو من جيبها وسألت التلاميذ: من منكم يريد هذه العملة؟ فرفع الجميع يده بحماس وأجابوا بصراخ: أنا. كورت المدرسة العملة تماماً ورفعتها لأعلى بإصبعين وسألت من جديد، فأجابها الجميع بحماس: أنا. فأخذت العملة الورقية ورمتها على الأرض وشاطتها بقدمها حتى إحدى الزوايا، وسألت نفس السؤال، فجاءتها الإجابة: أنا. انحنت وأخذت العملة وألقت بها في سلة الزبالة، وسألت بتكرار، فجاءها الجواب: أنا. فأخرجت العملة من السلة وداست عليها بقدمها حتى بدت متسخة تماماً، وسألت بتحد: من منكم يريد العملة بعد كل ما حدث لها. فأجابها التلاميذ: أنا. حينها ابتسمت وأخبرتهم أن هذا هو درس اليوم: رغم كل ما حدث للعملة الورقية إلا أنها لم تفقد قيمتها، وعليكم بالتالي أن يعرف كل منكم قيمة نفسه مهما أصابه من مرض او ضرر، مهما هاجمه الآخرون واتهموه بما ليس فيه.
الحكاية، رغم أنها تبدو للتنمية الذاتية للمراهقين، إلا أنها في حقيقة الأمر تصلح لكل الأعمار والظروف، خاصةً  الآن في مصر، حيث تواجه الاتهامات في صمتك كما تواجهها في حديثك، وأصبح اتبّاع صوت الأغلبية فرض عين على كل المختلفين معهم. كم مرة في اليوم ترى من يكوّرك ويشوطك لأنك تعترض على فض اعتصام الإخوان بالقوة؟ كم مرة يضعونك في صندوق الزبالة لأنك تدافع عن البرادعي وتنتظر سماع شهادته عن كواليس الاستقالة؟ كم مرة يدوسونك بأقدامهم لأنك تقول إن الحلول الأمنية لن تأتي إلا بالخراب، وأن وظيفة الحكومة أن تقدم حلولاً سياسية حتى لا تعطي للإخوان فرصة العودة للعب دور الضحية المحبوب لديهم. سيلومونك بالطبع لاعتراضك على وجود عمرو موسى في لجنة تعديل الدستور، مثلما يلومونك على المادة الإعلامية المقززة التي يقدمها يوسف الحسيني وخيري رمضان، وربما يكون اللوم أكبر لو وجهت كلماتك لمرتضى منصور وأعلنت أن كلامه مثير للغثيان. في كل الأحوال سيكون هجومك لخط سير الدولة سبباً لتكويرك واتهامك بالخيانة، كما يكون تخوفك من عودة الدولة الأمنية بصلابة سبباً لخروجك من الصف الوطني. حتى عندما تصمت عند محاولة اغتيال وزير الداخلية سيأتيك الهجوم، ستقف للتأمل: هل هو انتقام الإخوان أم لعبة أمنية جديدة، وفي الوقت الذي تحتار فيه لفك ملابسات الحادث، سيأتيك من يؤكد لك ببرهان لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إنها الجماعة الإرهابية التي تريد الخراب لمصر. يا سيدي، لست مختلفاً معك في أنها جماعة تريد الخراب لمصر، لكن لماذا تريد أن تنزع عني الحق في الشك والتأمل وانتظار نتائج النيابة، ثم في حالة افتراض أن جماعة الإخوان أو جماعة أخرى تابعة لها قامت بالفعل، ألا يعيدنا ذلك لما اختلفت معي فيه من قبل: أن الحل الأمني ستكون نتيجته تفجيرات، وأن الحلول السياسية يجب أن تكون فعالة، حتى ولو رفض قادة الإخوان فدور الدولة أن تجرهم لأرضها خاصةً أن لها ظهير شعبي ويمكن مراجعة فيديوهات 30 يونيو وجمعة التفويض. ثم لماذا لا تتذكر معي ما حدث في إسبانيا على يد منظمة إيتا الانفصالية، سنوات طويلة من الإرهاب والتفجيرات والقتل والدم، والدولة تواصل حلولها الأمنية لإسقاط مزيد من الضحايا المدنيين بجانب الجماعة الإرهابية، ثم في النهاية يدرك رئيس الوزراء خوسيه ثباتيرو أن الأزمة يجب أن تنتهي على مائدة مفاوضات، وانتهت على مائدة مفاوضات بالفعل. نفس الحكاية، وأشد منها، حدثت في كولومبيا على يد جماعة الفارك الثورية، التي انتهت كجماعة إرهابية في آخر المطاف واستولت على مناطق وأغلقتها وفرضت سيطرتها عليها، وبعد أكثر من نصف قرن في حروب مع الدولة، أدركت الحكومة أنه لا سبيل لوقف بحور الدم إلا بالجلوس على مائدة مفاوضات، وهذا ما حدث. وما كان يجب أن يحدث بعد ثورة 30 يونيو، وما يجب أن يحدث الآن قبل أن تزداد الازمة ونصل، في غمضة عين، إلى 20 سنة في حروب ومعارك. أقول "أدركت الحكومة" لأن الحكومة من عليها أن تدرك، لأنها السلطة، ولأنها من يجب أن يحافظ على أرواح مواطنيها، ولأن دورها أن تعيد الأمن للشارع. وإن لم تتقدم الحكومة في هذا الاتجاه، فلا يلومني أحد إن قلت إن الدولة تستمريء "لعبة الذريعة" لتمد قانون الطواريء وحظر التجوال، ولابد أنه يحلو لها أن تظل للأبد دولة أمنية تطارد من يخالفها، وتناهض الحريات، وتكورّ من يعلو صوته، وتدوس على من يطالب بحق المواطن في حياة إنسانية كريمة، ثم تضعه بكل بساطة في سلة الزبالة، رغم أن ذلك لن ينقص شيئاً من قيمته.     

جديد

«حصن التراب»: من ضيق الميلودراما إلى رحابة التاريخ

إبراهبيم عادل زيد   يعّرف «أحمد عبد اللطيف» روايته الجديدة «حصن التراب» بأنها (حكاية عائلة موريسكية). ولأول وهلة قد يبدو الحديث ...