الخميس، مارس 06، 2014

رحلة الواقعية السحرية



أحمد عبد اللطيف



     في أواخر القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، هاجر الكثير من العرب، وخاصةً من فلسطين ولبنان وسوريا إلى دول متعددة من أمريكا اللاتينية، لعل أبرزها كولومبيا وتشيلي والأرجنتين. لم يهاجروا فقط بذوات محبطة وبحثاً عن حياة أقل قسوة، بل هربوا بأحلامهم وحكاياتهم وموروثهم الثقافي إلى أرض لا يعرفون عنها شيئاً. هربوا في مجموعات، وظلوا يتوافدون على هذه الأرض جيلاً وراء جيل، حتى شكّلوا داخل المجتمع الجديد جاليات عربية لها قوة التأثير في الثقافة، كما كان لها قوة التأثير في السياسة في بعض الأحيان. ليس غريباً إذن أن تكون زوجة جارثيا ماركيز من أصول مصرية، ولا أن يعيش الكاتب الكولومبي الحائز على نوبل في قرية أغلب سكانها من العرب، ولا أن يبدأ بورخس في آخر عمره في دراسة اللغة العربية على يد مدرس سكندري.  لكن الملفت جداً أن العربي اشتهر في هذه المجتمعات بأنه حكّاء، وأن حكاياته تتكيء على الفانتازيا والحلم، والواقع القادم منه مثّل بالنسبة للواقع الجديد ما سمي بعد ذلك بالواقعية السحرية.  

     ربما من هنا يمكن التقاط الخيط، بل وأبعد من هنا بكثير حين تم اكتشاف أمريكا عام 1492. في هذا التاريخ الذي يتفق أيضاً مع سقوط الأندلس، هاجر الكثير من العرب الأندلسيين إلى القارة الجديدة، وتركوا فيها بذرة ثقافتهم العربية. لكن الهجرات الحديثة، أقصد التي تمت بعد أربعمائة سنة تقريباً من هذا التاريخ، ربما كانت أكثر تأثيراً على الأدب اللاتيني الذي ظهر بعد ذلك بسمات تبدو موشومة بالطابع العربي. هل يكون للعرب المهاجرين أي فضل في تشكيل وعي ما سمي بجيل الانفجار اللاتيني الذي ظهر في النصف الثاني من القرن العشرين؟ أغلب الظن أن تأثيرات الثقافة العربية في بورخس وإيزابيل الليندي وجورجي أمادو وماركيز لم تكن فقط تأثيرات قادمة من قراءة ألف ليلة وليلة، بقدر ما كانت احتكاكاً مباشراً بأبناء هذه الثقافة، بل وقراءةً أيضاً لأبناء المهاجرين الذين صاروا فيما بعد كُتّاباً مزدوجي الهوية، ومن بينهم والتر غريب التشيلي الفلسطيني، والذي تجمع روايته "المسافر والبساط السحري" العناصر المعروفة –بحسب الغرب-عن عناصر الكتابة العربية: الفانتازيا والحلم والواقع السحري. ورغم أن رواية غريب تقوم في الأساس على تيمة الهجرة من فلسطين لتشيلي، وتضع في الخلفية الهرب التاريخي من الامبراطورية العثمانية، إلا أنها تخلق شخصياتها المعتقدين فيما هو سحري وحلمي بشكل مكثف.  

     لعل الاقتراب من هذه النقطة، التي تناولتها العديد من الكتابات في القارة اللاتينية، والتي اهتمت بتأثير العربي وثقافته وحتى ظهوره في أعمال عدد كبير من الروائيين اللاتين، يفتح لنا أفقاً جديداً في الاقتراب من موروثنا الثقافي، وربما من خلال الآخر يمكننا إدراك أهمية التراث العربي والأسئلة التي طرحها عبر الفانتازيا ومحالاوته الجادة في الاقتراب من الميتافيزيقي. ودون أن نريد رد الفانتازيا البورخسية أو السحرية الماركيزية إلى أصول عربية، نريد أن نؤكد على الأقل أن هذا الإنتاج الأدبي الثري استفاد حتى النخاع من التجربة العربية، سواء عبر قراءة كتب التراث العربي أو من خلال التعامل مع الذهنية العربية التي تؤمن بالميتافيزيقي وترسخ له حتى في الحياة اليومية. 

منشور في "قل"

جديد

«حصن التراب»: من ضيق الميلودراما إلى رحابة التاريخ

إبراهبيم عادل زيد   يعّرف «أحمد عبد اللطيف» روايته الجديدة «حصن التراب» بأنها (حكاية عائلة موريسكية). ولأول وهلة قد يبدو الحديث ...